رئيس التحرير

منى حنا تكتب : وداعا هشام سليم سليل المايسترو

الخميس 22-09-2022 17:16

بقلم : منى حنا

حالة من الصدمة سيطرت على قلوب محبي الفنان هشام سليم عقب إعلان نبأ رحيله بعد صراع لم يستمر طويلا مع المرض، ليرحل تاركا وراءه العديد من الأعمال والذكريات لا تنسى، والتى وثقت مراحل عمره منذ كان صغيرا، وأعلن د.أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية أنه من المقرر أن يشيع جثمان الراحل من مسجد الشرطة بالشيخ زايد عقب صلاة العصر، ويوارى جثمانه الثرى بمقابر العائلة.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعى عقب وفاته حالة من الحزن الشديد التى سيطرت على زملائه وعلى محبيه الذين نعوه داعين له بالرحمة والمغفرة؛ حيث نعى مهرجان القاهرة السينمائى الفنان الراحل، وكذلك البيت الفنى للمسرح.

لهشام سليم قانونه الخاص فى العمل ولم لا فهو من تتلمذ على يد كبار وعمالقة الفن، ومن هنا جاء إيمانه بأهمية الاستذكار والتجويد قبل العمل والذى كان أحد أهم أسباب نجاحه لذلك دائما ما يفخر فى جلساته الخاصة وحواراته بأنه كان يجلس على منضدة واحدة للتحضير للعمل مع الراحلة سناء جميل فى “الراية البيضا”، وكيف أنهم كانوا لا يملون من فكرة الإعادة والتكرار لكل مشهد للوصول إلى أفضل حال سواء على مستوى الأداء أو الصوت أو حتى النظرة.

الصدمة التى كانت بالنسبة لهشام سليم هو ما حدث بعد نجاح 3 أعمال حفروا اسم هشام سليم وقدموه كبطل فى الدراما التليفزيونية، بدأت بمسلسل “أماكن فى القلب”، ومرورا بمسلسل “المصراوية” وتقديمه لأحد أفضل أدواره فى الدراما المصرية بشخصية فتح الله الحسينى،ثم “ظل المحارب”، وانتقاله لمصاف نجوم الدراما التليفزيونية وبناء عليه بات فى انتظار عمل جديد يحمل توقيعه إلا أن المفاجأة هو محاولة إرجاعه للنقطة صفر، مؤكدا فى حوار سابق معه أنه كان يشعر فى بعض الأحيان بأن هناك يدا خفية وراء عرقلة مسيرته وعدم الاستمرار فى أدوار البطولة، مستشهدا بذلك أنه عندما قدم دور البطولة فى مسلسل “ظل المحارب” لم ينل العمل قدر كافيا من الدعاية والترويج، وهو ما رأى أنه يؤكد صحة نظريته بأن هناك من يريد ألا يكون هشام سليم أحد أبطال الصفوف الأولى فى الدراما التليفزيونية.

ورغم تقبل هشام سليم ظاهريا لنمط الدراما المتسارع والذى وضعه كنجم صف ثانى،إلا أن كان بداخله حالة من الرفض والإنكار لنظام العمل الدرامى فكان يتعجب فى بعض الأحيان على أن دوره لم يكتمل كتابته ورغم ذلك بدأ تصويره، فكان يرى أن الشخوص التى يظهر بها فى أعماله كانت تحتاج مزيدا من الوقت للتحضير ليكون بنائها فى السياق الدرامى سليما، وأن يرى بدايتها ونهايتها أمام عينيه قبل تجسيدها، ورغم هذا الإنكار إلا أنه قدم هذه الأدوار بشكل متقن دون أن يشعر المشاهد بوجود أى تقصير، وعلى سبيل المثال لا الحصر شخصية “نادر الجبالي” فى مسلسل “بين عالمين” وكيف قدم دور الشيطان الذى يوسوس طوال الوقت لبطل العمل طارق لطفي.

أبدع الراحل هشام سليم فى آخر أعماله وكأنه أراد أن يودع الجمهور بشكل يليق باسمه ومكانته، ويترك رسالة مفادها “خلو بالكم على مصر” فجسد شخصية اللواء رفعت فى مسلسل “هجمة مرتدة” الذى نجح بفريقه فى إفساد مخططات الشر التى كانت تحاك ضد الوطن فى قصص حقيقية ترى النور لأول مرة على الشاشة التليفزيونية، وقال هشام سليم أن العمل المستوحى من قصص حقيقية كشف لنا أن هناك مخططات تعمل عليه قوى الشر لتخريب البلدان العربية، وأن يقظة حماة الوطن أحبطت هذه المخططات التى لم نكن نعرف عنها شيئا سوى بعد فترة من الزمن.

ولأنه متمكنا من أدواته الفنية، قدم شخصية المتآمر على الوطن فى شخصية “أكرم صفوان” فى “كلبش 3″ ذلك الشخص الذى كان ينفث سموم أفكاره بين الناس لمحاولة تخريب الوطن.

راضى كل الرضا هذا ما كان يؤكده دائما هشام سليم؛ حيث أعلن فى حوار سابق لـ”الأهرام المسائى” أنه عمل كممثل على مدار أكثر من 50 عاما منذ كان طفلا ثم شابا ثم رجلا، عاصر فى كل هذه المراحل نجوم الفن فى كل العصور، وتشبع بتقاليدهم وأساليبهم فى كيفية صناعة عمل ناجح، وهو ما خلق بداخله حالة من الفخر الممزوجة بالزهد جعلته لا يلهث وراء أى دور لمجرد التواجد أو الظهور، لذلك كان هدفه فى أيامه الأخيرة الشعور بدفء الأسرة والأصدقاء الذين استمروا معه فى رحلته.

لم يركن هشام سليم يوما ما إلى أنه ابن للمايسترو صالح سليم، فقد كان مؤمنا بأهمية أن يصنع لنفسه نجوميته الخاصة بعيدا عن بريق أضواء والده الراحل، لكنه ورث منه الكبرياء والجرأة فيما يفعل ويقول، وهو ما كان سببا أساسيا فى انتقاد ما لا يعجبه بشكل علنى دون عمل موائمات.

حياة الكبرياء أو الفخر التى عاشها الراحل هشام سليم كانت نمطا أساسيا فى حياته، وهى ما جعلته يرفض الإعلان عن مرضه الأخير الذى أصيب به كى لا ينتظر من أحد نظرة عطف، مكتفيا بطلب الدعاء له، ولهذا فضل سليم البقاء خارج نطاق القاهرة ومتابعة حالته الصحية والحصول على العلاج بانتظام أملا فى التماثل للشفاء، لكنه فى الوقت نفسه كان بداخله صراع من نوع آخر؛ حيث كان يرى أن المجتمع الذى يعيش فيه لا يشبهون ما تربى عليه أو ما عاصره فى أيام شبابه الجميلة، دون أن يرى حالة الحب التى اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعى فور معرفة جمهوره نبأ رحيله، وأن رصيده الذى أدخره على مدار سنوات عمره لم يذهب سدى، بل محفورا فى قلوب محبيه بأعماله وفنه ومواقفه.

التعليقات مغلقة.