الكاتب الصحفي قطب الضوي يكتب : جماعة الإخوان انتهت.. برغم بقاياها التنظـيمية
الثلاثاء 27-09-2022 18:50
بقلم الكاتب الصحفى : قطب الضوى
«الربيع العربى» تسمية أمريكية مبهرة استغلت معاناة المصريين
لدينا خلط ومجاملات في إطلاق التسميات على الأحداث التاريخية
منهج التاريخ المقرر على الطلاب لا بد أن ينتهى عند عام 2011
عرابى لم يعزل الخديو توفيق.. والاحتلال الإنجليزى لم يغادر فى 1919.. فأين هى الثورات؟!
تهذيب أوراق الشجرة دون خلع الجذور إصلاح وليس ثورة.؟
فى المائة عام الأخيرة وحدها، لدينا فى مصر أحداث تاريخية كثيرة، كبرى، مثيرة، لا يتوقف الجدل بشأنها، ليس فقط حول أحداثها وتفاصيلها، إنما أيضا حول طبيعتها وتسميتها. لدينا أعوام وتواريخ نتوقف دوما عندها؛ 1919.. 23 يوليو 1952.. 25 يناير 2011.. 30 يونيو 2013، يسميها الناس والإعلام – فى الأغلب- ثورات، لكن العالم الجليل الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث تكون له – أحيانا- آراء قد تصدم عموم الناس بشأن بعض هذه التسميات، خصوصا أولئك الذين يهوون الوقوف عند العناوين دون الخوض فى التفاصيل، رافضين التفكير، وصولا إلى الاتفاق أو الاختلاف حول الأفكار، لا بأس، لكن المهم هو المناقشة لا الجدل، لذا فقد حاولت أن أمضى بهدوء مع الأستاذ الكبير عاصم الدسوقي فى مسار تاريخى طويل، أستمع إليه، وأسأله، فجاء هذا الحوار الذى أدلى به بمناسبة ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو أشبه بمراحل – أو حقب- من الأفكار بشأن التاريخ، مرورا من القديم إلى الحديث.
فى هذه المرحلة الأولى من الحوار، طرحت على الدكتور عاصم الدسوقى سؤالا أوليا بشأن التوصيفات المتعددة دوما لأحداثنا التاريخية المتعددة، فأى هذه الأحداث يمكن أن يكون فى نظر علم التاريخ ثورة أو انتفاضة أو هبَّة أو ربما تمرد؟.. ما الذى يحدد الأمر؟!.. وهو من جانبه بدأ يشرح بهدوء موضحا جذور المسألة.
قال: «الثورة هى تغيير جذرى فى المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. وهى تغيير لا يأتى بهدوء أو ببساطة بل بعنف أو إجراءات.. لأن الثائر يزيل حكماً ويقيم حكماً آخر.. أما تغيير رأس الحكم فقط وبقاء الحكم كما هو فلا يعد ثورة.. وهذا التفسير جاء من الفكر السياسى عقب الثورة الفرنسية عام 1789.. ففى أوروبا وليس فرنسا فقط كان يوجد الحكم الإقطاعى أى أن الملك الذى يحكم يكون هو أكبر مالك للأرض الزراعية.. ولكن ظهرت طبقة جديدة فى المجتمع فى فرنسا اصطلح على تسميتها البرجوازيين.. وهى طبقة فى المدينة أفرادها ليسوا من ملاك الأراضى الزراعية وإنما أصحاب رأس مال تجارى وصناعى.. لكنهم يملكون ولا يشاركون فى الحكم وبالتالى فإن مصالحهم غير مصونة.. وفى الديمقراطية فى أصلها اليونانى فإن كلمة «ديمو» تشير إلى المواطن الذى يكون من أبوين من أثينا ويملك عقارات أو أراضى أو تجارة أو عبيدا فهذا كان من حقه دخول البرلمان للمشاركة فى الحكم وليس الآخرين من العبيد أو القادمين من بلاد مجاورة.. لذلك فإن الطبقة الجديدة فى فرنسا شكَّلت وفدا منها ذهب للقاء الملك لويس الرابع عشر وطلبوا منه المشاركة فى إدارة شئون الدولة.. وهو طبعا ابتسم وقال لهم: «الدولة أنا.. وأنا الدولة».. انصرفوا وبدأوا بعدها الإعداد للقيام بقلب هذا الحكم.. ومن هنا صاغ الفكر السياسى تعبير «قلب الدولة» أو «الثورة».. وكلمة الثورة بالإنجليزية هى فى أصلها اللاتينى مشتقة من كلمة «جذر».. أى أنك تخلع النبات من الجذر وتزرع نباتاً جديداً.. أما إذا «قصقصت أوراق الشجرة» فقط فهذا يكون مجرد إصلاح.. وعلى أساس هذا فإن الثورات فى العالم تعنى تغييراً جذرياً فى المجتمع وليس تغيير الحاكم فقط.
يرى الدكتور عاصم الدسوقى أن هناك محاولات دائمة لتغيير «أحكام علمية» فضلا عن «الخلط والمجاملات» فى التسميات، قائلا: «إننا على مدى تاريخ مصر نتحدث فنقول: «الثورة العرابية» و»ثورة 1919»، ولكن – علميا- هذا غير موجود، لأنه لم يحدث تغيير الحكم من الأساس. سألته: هل نسمى كلا منهما انتفاضة مثلا؟».
قال: نعم انتفاضة.. أو هبَّة.. لأن ثورة عرابى لم تعزل الخديو توفيق ولم يجلس أحمد عرابى فى الحكم.. وثورة 19 لم تسفر عن جلاء الاحتلال الانجليزى ولا تغيير نظام الحكم بأن مصر ولاية عثمانية.. بل إن الانجليز ضحكوا على المصريين وقالوا إن مصر مملكة دستورية مستقلة ذات سيادة بينما ظلت البلاد تحت الحماية البريطانية حتى عام 1936.. فأين هى الثورة إذًا؟!». لكنه يستدرك قائلا: «أما فى يوليو 1952 فهنا ينطبق مصطلح الثورة.. لأن مجموعة من الضباط أسقطوا الحاكم وجلسوا فى الحكم.. ولم يكتفوا بهذا وإلا صار انقلابا.. لكن بدأ تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الخارجية.. وتم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.. وبدأت مصر صفحة جديدة.. فأصبحت 23 يوليو ثورة بالمفهوم العلمى».
فى يناير من العام 2017، قبل أربع سنوات، قال لى الدكتور عاصم الدسوقى فى حوار سابق نصا: «25 يناير عبرت عن ٩٩٪ من مطالب الشعب برغم أنها مؤامرة»!.. وقتها بدت الفكرة جديدة، وربما غريبة، والآن سألته عما إذا كان لا يزال يرى نفس الرأى.
قال: «نعم بالضبط.. فالمطالب وقتها كانت اقتصادية واجتماعية.. ونحن هنا أيضا فيما يتعلق بيناير 2011 نستخدم كلمة «ثورة» بشكل خاطئ.. لأن كل ما حدث هو تغيير رأس الحكم.. لكن بقيت فلسفة الحكم كما هى.. كما وضع بذرتها الرئيس السادات.. وهى الانفتاح وحكم رأس المال أو من يسمون رجال الأعمال.. وكذلك كان حكم الإخوان فهم كلهم أصحاب شركات وأموال.. فلا تنتظر من أصحاب رأس المال مكاسب اقتصادية واجتماعية للناس.. لكن البعد المختلف لدى الإخوان هو مسألة الدين ومحاولة أسلمة المجتمع وإثارة الفتنة الطائفية.. لذلك لم يستمر حكمهم أكثر من عام واحد.. ولكن كل ما حدث فى مصر منذ السادات هو تغيير رأس الحكم فقط.. بما فى ذلك يناير ويونيو ولكن مع بعض المتغيرات البسيطة.. لأنه حتى الآن لا تزال مشاكل الأجور والأسعار وغيرها مستمرة».
وبرغم هذا فإن «ما حدث فى يناير 2011 هو صناعة أمريكية» فى رأى الدكتور عاصم الدسوقى، الذى يضيف موضحا: أن ما حدث هو جزء من مشروع شمعون بيريز «الرئيس الإسرائيلى السابق» لإقامة ما يسمى «الشرق الأوسط الكبير» المكون من دويلات مقسمة على أسس طائفية أو عرقية أو دينية أو مذهبية.. لماذا؟!.. كى يكون من حق إسرائيل أن تعلن أنها دولة دينية يهودية.. وفى هذه الحالة سوف تجبر المسيحيين والمسلمين الذين يمثلون نسبة ٢٠٪ منها حاليا أن يرحلوا أو يتحولوا إلى اليهودية أو ربما حتى أن يُقتلوا.. ومن هنا جاء ما حدث فى يناير استغلالا لمعاناة الشعب المصرى بسبب الأزمات الاقتصادية.. لكن مسمى «الربيع العربى» ذاته هو صناعة أمريكية.. لأن أمريكا استخدمت كلمة «الربيع» مرتين من قبل.. الأولى عام 1956 عندما قامت المجر بثورة لمحاولة الخروج من دائرة الاتحاد السوفيتى.. وقالت أمريكا وقتها إنه «ربيع بودابست».. وتكرر الأمر نفسه عام 1968 فى تشيكوسلوفاكيا وسمته أمريكا أيضا «ربيع براج».. وهكذا فإن «الربيع العربى» كما هو واضح تسمية أمريكية مبهرة.. كى يزعم الأمريكان اهتمامهم بأن ينتقل الناس فى الشرق إلى الربيع.. بدلا من الخريف الدائم الذي يعيشون فيه!».
بالوصول إلى مرحلة «30 يونيو» والأفكار حولها، فى هذا الحوار، انتابتنى حالة من الشجن، وربما الألم، إزاء فكرة محددة، عبرت عنها للدكتور عاصم الدسوقى قائلا: «فى عام 1919 كان الشعار المرفوع، المعروف، هو «الدين لله.. والوطن للجميع».. وفى عام 2013 – أى بعد 94 عاما كاملة- احتاج الشعب للخروج مرة أخرى ضد حكم الإخوان لتأكيد هذا الشعار ومعناه.. فلماذا نظل هكذا نراوح المكان؟!.. ولماذا نحتاج إلى أن نثور فيسقط الشهداء مجددا بعد كل هذه السنين لتأكيد أفكار بسيطة.. واضحة.. وهى أن يعيش الناس معا فى سلام؟!».
سكت الدكتور عاصم الدسوقى قليلا، ثم أجاب بعدها سريعا: «السبب فى هذا يعود إلى تفوق الخطاب الإسلامى منذ أيام السادات.. الذى ألقى خطابا شهيرا قال فيه: «أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة».. ومن هنا بدأت الفتنة.. فما الذى حدث بعدها؟!.. بدأ الناس يدافعون عن ذاتهم.. ولو لاحظت سوف تجد أن هناك أجيالا من المسيحيين أصبحت منذ ذلك الحين تسمى أبناءها أسماء مسيحية بشكل صرف.. فقد كان هناك دوما أسماء مشتركة بين المسلمين والمسيحيين مثل مراد أو جميل أو غيرهما.. لكن زادت بعد ذلك أسماء أخرى مثل ميشيل وغيره.. لماذا؟!.. هم يريدون أن يواجهوا الخطاب الدينى الذى زرع السادات أساسه فيقولوا: «نحن مسيحيون».. وقبل ذلك عندما جاء الاحتلال الإنجليزى إلى مصر حاول زرع الفتنة الطائفية مثلما كان يفعل فى الهند ولكن تصدى له المصريون.. وكتب على باشا مبارك مقالا مهما فى جريدة «المؤيد» ضد الفتنة.. وأسس مصطفى كامل «العظيم» حزبه وسماه «الحزب الوطنى» وأكد أن اختلاف العقيدة لا يعنى اختلاف الدم بين المصريين.. لأن الدم واحد.. فلماذا المزايدة وصنع الفتن؟!.. وفى فترة ثورة يوليو زمن جمال عبدالناصر لم تكن هناك فتنة طائفية.. لكن الخطاب الدينى الذى أثاره السادات هو المسئول عن إثارة الفتنة.. لذلك احتجنا أن نعود لنجدد هذا الشعار.. «الدين لله.. والوطن للجميع».