شريف السقا يكتب .. ليلة في بلاد الفايكنج
الأحد 15-01-2023 20:48

أنظر خارج النافذة ….أسدل الليل ستاره أنظر إلي النوافذ القليلة المضيئة …يومض هاتفي كاسرا الهدوء الذي يلف المكان ….أجبت جائني صوته ثقيلا حزينا …انتهت المقدمات المعتادة …ألقي سوالاً مفاجئاً …هل سنعود يوما ما ؟
لم ينتظر اجابة وإندفع في غضب هل تعلم اننا كمن سبح لمنتصف البحر …لانستطيع المضي قدما ولا نستطيع العودة ….
كلماته نكأت جرح ما …لم أملك لسؤاله اجابة ….ارتديت معطفي وهرعت خارجا ….الطرقات افرغت مافي جوفها من بشر ….الجو باردا يلفه الضباب كعادة الطقس في هذه البلاد ….
اخترقت الشوارع بلا هدي …لعل ضجيج سؤاله يخفت أو أجد له إجابة ….قادتني قدماي …نحو البحر ….جلست …علي الأريكة الخشبية …باردة كالموت …تضرب الأمواج الشاطيء برتابة مملة …..أصابني الملل …تحسست جيبي بحثا عن علبة التبغ ….لم أجد …..
عدت اخترق الشوارع مجدداً ….الشوارع اللامعة فارغة إلا من الأضواء وبعض الأشباح المتناثرة هنا أو هناك ….
توجهت إلي 711 مفتوح طوال الليل ….ما إن دخلت المتجر …حتي قطعت طريقي فتاة شقراء في العشرينيات من عمرها ….تحمل صندوقا من الجعة…توجهت إلي من يدير المتجر ..حدثها بلغة البلاد …ردت انها لاتجيد سوي الروسية والأوكرانية وبعضاً من الإنجليزية ….
وضع الرجل يده علي صدره قائلا…المجد لاوكرانيا…..ابتسمت له ببلاهة وغادرت ….
تقدمت إليه …بادرني بتودد …المعتاد ؟ أجبته ..نعم المعتاد …أحضر علبة التبغ …ثم قال لاداعي للحرب نحن نستطيع إن نعيش معا في سلام أليس كذلك ؟ أجبته بإقتضاب نعم …استكمل حديته هل تعلم إن ثلاثة من اصدقائي قد غادروا للحرب وانقطعت أخبارهم منذ ثلاثة اسابيع كاملة …هل تتوقع إن يعودوا ؟
لم استطع الإجابة ..انصرفت …اشعلت لفافة تبغ …واصلت السير الأن زادت الاسئلة التي تبحث عن إجابات …..
انعكس ضوء الإشارة علي أرض الشارع اللامعة …بجانبي يقف رجل يرتدي السواد …تعلو رأسه قبعة ..تتدلي من شفتيه نصف لفافة تبغ …أومأ إلي بود …سرعان ماتغير لون الإشارة لتسمح بالسير ….سارع بالسير بخطوات رشيقة …يختفي كالأشباح يلفه الضباب والظلام معا …..
اطرد الاسئلة الملحة من رأسي وأواصل السير …اقذف بما تبقي من لفافة التبغ بغضب …تلف جمرتها الحمراء في الهواء ….لتحتضنها في النهاية بقعة ماء فتنطفيء…..
تدق الساعة العاشرة والنصف …..
أعاود صعود الدرج مجددا ….أفتح الباب بهدوء ….أقف أمام النافذة مجددا …تتناقص عدد النوافذ المضيئة أمامي …..يومض هاتفي في الظلام مجددا
لم أعره اهتماما ….
اشعلت لفافة التبغ الثانية ….توالت الإجابات …أصدقائك الذين غادروا للحرب لن يعودوا وإنت ستجلس وحيدا يلفك دخان التبغ وتشرب حتي الثمالة بحثا عن اجابة …..
أما ياصديقي هل سنعود يوما ؟
نحن لن نعود أبداً لأننا أبداً لم نغادر !
ليلة في بلاد الفايكنج !
ديسمبر ٢٠٢٢