الزمن الجميل …زينات صدقى عانس السينما المصرية وملكة الكوميديا حكاية هروبها من اهلها وبيع اثاث منزلها لتتناول الطعام
الثلاثاء 28-02-2023 23:48

كتب : عبدالله هيثم
هوليود الشرق مصر والسينما المصرية فيها برع عدد من النجوم فى السينما المصرية، في العديد من الأعمال الفنية واستطاعوا حفر اسمائهم في تاريخ السينما، ورغم وفاتهم إلاأن أدوارهم مازالت محفورة في أذهان جمهورهم إلى الآن ومنهم الفنانة زينات صدقي (4 ولدت مايو 1912 – توفت 2 مارس 1978)، ممثلة مصرية.
حياتها
ولدت في حي الجمرك في مدينة الإسكندرية، درست في «معهد أنصار التمثيل والخيالة» الذي تأسس من قبل الفنان زكي طليمات في الإسكندرية لكن والدها منعها من إكمال دراستها وقام بتزويجها ولم يستمر الزواج لأكثر من عام، بدأت حياتها الفنية كمغنية في بعض الفرق الفنية، شاهدها الفنان نجيب الريحاني وعرض عليها دورا في مسرحية له، وأطلق عليها اسم زينات حيث تسمت باسم صديقتها المقربة «خيرية صدقي» حين أخذت منها اسم صدقي، وكانت القاسم المشترك في دور سليطة اللسان أو الخادمة أو المرأة بنت البلد في عدد الأفلام المصرية.
عملت مع معظم الممثلين الكبار في تلك الفترة منهم يوسف وهبي وإسماعيل ياسين وشادية وعبد الحليم حافظ وأنور وجدي، بل أن الأفلام التي شاركت في بطولتها تجاوزت 400 فيلم.
بعد أن اكتسحت مجال الكوميديا النسائية، مع عدد قليل من «نجمات السينما المصرية» مثل ماري منيب ووداد حمدي في فترة ستينيات القرن العشرين، بدأ نجمها في الأفول وأدار لها زملاؤها ظهورهم فاضطرت لأن تبيع أثاث بيتها حتى تحصل على الطعام، فزينات التي أضحكت الملايين لا تجد من يواسيها بكلمة طيبة، أو يمسح دموعها المأساوية وظلت في طي التجاهل، حتى كرمها أنور السادات في عيد الفن عام 1976.
تكريم رئاسي
وكانت قصة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع زينات صدقي… شاهدا على غياب أهل الفن معها فقد روي أن الرئيس عبدالناصر قرر أن يكرم نخبة من الفنانين… ومن بينهم زينات صدقي… إلا أن المعنيين لم يستطيعوا العثور عليها، فما كان من الرئيس المصري إلا أن طلب من جهة أمنية إيجادها ونجحت بالفعل في العثور عليها في أطلال بيت متهالك في أحد الأرياف، وبدت في حالة رثة، فكرمها الرئيس عبدالناصر وأمن لها مسكنا، ومعاشا… حتى توفيت.
كما روي أن سأل الرئيس المصري الراحل أنور السادات الدكتور رشاد رشدي عن أسباب عدم إدراج اسم زينات صدقي بين الفنانين المقرر تكريمهم في العيد الأول للفن العام 1976 وكان الدكتور رشاد في هذا الوقت مدير الأكاديمية الفنون المنظمة للحفل ولم يجد ما يبرر به هذا السهو غير المقصود في حق فنانة ونجمة كبيرة انزوت داخل دائرة النسيان والتجاهل ولم يعد أحد يسأل عنها منتجي السينما ومخرجي التلفزيون لا يرشحونها للعمل، لدرجة أنها لجأت للقضاء تشكو مخرجا استبعدها في آخر لحظة من تسجيل دورها في أوبريت لزكريا أحمد، بعد ذلك قررت أن تعيش على هامش الاضواء والنجومية، أدركت أن الزمان لم يعد زمانها.
عزيزة النفس
كانت تمتلك إرادة كافية وعزة نفس كبيرة، تمنعها من مجرد التفكير في تسول تمثيل دور، مهما كان عائده المادي، تدهورت ظروفها المادية بسرعة منذ منتصف الستينات من القرن الماضي، لكنها رفضت أن تتسول للعمل، كانت تبيع أثاث منزلها كي تأكل، وسمع بمأساتها الناقد الفني لجريدة الأخبار جليل البنداري، ونشر مقالا عنها وكتب «لم أصدق أن فنانة عظيمة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، إن أخف الممثلات دما تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة من أجل الطعام». بعد 10 سنوات من نشر هذه المأساة… كرمها السادات، ودعاها لحضور حفل تكريمها، واستلام شيك بألف جنيه من الرئيس، ولم تجد في دولاب ملابسها فستانا مناسبا، لكنها حضرت الحفل بعد تدبير جيب وبلوزة ومنحها السادات معاشا استثنائيا مدى الحياة، ورقم هاتفه الخاص للاتصال به اذا كانت في حاجة لمساعدة.
عادت إلى منزلها الذي يقع في شارع جانبي متفرع من عماد الدين «وسط القاهرة» وقلبها يرقص من الفرحة والسعادة، أخيرا سوف تسدد ما تراكم عليها من ديون وتعيش بقية أيامها مستورة، وتذكرها المخرجون ومنتجو السينما ورشحوها لأعمال فنية، لكنها قالت بكبرياء: «آسفه أرفض الشفقة». وبعد شهور من تكريمها… تدهورت حالتها الصحية، وظلت 3 أشهر… تصارع الآلام بسبب متاعب في الرئة وهبوط في القلب ونصحها البعض بالاتصال بهاتف الرئيس لعلاجها على نفقة الدولة، إلا أنها رفضت بعناد وإصرار ولفظت آخر أنفاسها يوم 2 مارس 1978 عن 66 عاما.
بداية صعبة
ولدت زينات في حي الجمرك بالاسكندرية العام 1913، أسرتها المتواضعة والحي الشعبي الذي عاشت فيه… ساهما في بناء ملامح شخصيتها الإنسانية والفنية.
التحقت في طفولتها بالمدرسة الابتدائية، وتتباين المعلومات حول سنوات التحاقها بالدراسة، يقال إنها حصلت على الشهادة الابتدائية… في حين يؤكد آخرون أنها أمضت سنتين فقط داخل المدرسة، ثم قرر والدها إلغاء تعليمها وإبقائها في المنزل حتى يأتي «ابن الحلال». كانت زينات صدقي… جميلة الجميلات، قوامها ممشوق وعيناها خضراوان ما دفع العرسان للتهافت على طلب يدها وتزوجت لأول مرة عندما كانت في الـ 15 من عمرها طبيبا من أقاربها، عاشت معه نحو 11 شهرا وانفصلا من دون أن تنجب منه.
قبل أن تصل للسابعة عشرة من عمرها… اضطرت لمواجهة الحياة بمفردها… فغنت في ملاهي الاسكندرية، حيث كانت في طفولتها تهوى الغناء وتردد ما تسمعه من اسطوانات مشاهير المطربين في عصرها، واختارت دخول عالم المطربين من خلال العمل «منولوجست»، ثم قررت الانتقال للقاهرة للبحث عن فرصة عمل أفضل. اسمها الحقيقي كما تقدم «زينب »، ولكن نجيب الريحاني اقترح تغييره إلى زينات واختارت هي اسم صدقي، فكانت لها صديقة اسمها خيرية صدقي، عاشت معها سنوات الهواية والعمل في الملاهي، وشاركتها التمثيل في المسرح، وكانت مرتبطة بها تماما.
واستعارت اسم والدها تأكيدا لارتباطهما، وكانت خيرية وراء الزيجة الثانية لزينات صدقي، عندما كانت في زيارة لأحد أقاربها الذي يعمل في مسرح الريحاني، وهو الملحن إبراهيم فوزي أحد رواد تلحين الأوبريتات الغنائية، إلا أن حياته الزوجية مع زينات كانت قصيرة… أما زيجتها الثالثة فكانت من ضابط في الجيش وانتهت أيضا بعد فترة قصيرة.
عندما جاءت إلى القاهرة لأول مرة في حياتها… عملت مضيفة في كازينو بديعة مصابني، كانت تريد مواصلة مشوارها كمطربة، إلا أن بديعة اختارت لها الرقص إلى جانب تحية كاريوكا وسامية جمال، ولم تجد أمامها سوى الموافقة… وعندما حانت أول فرصة عمل مناسبة… قررت الغاء الرقص من قاموس حياتها الفنية.
ولم تؤكد أو تنف بداية عملها بالتمثيل… ربما لأنها لا تريد تكذيب الرواية التي تشير إلى أن نجيب الريحاني أول من اكتشفها وقدمها فنيا، عندما شاهدها بالصدفة في كواليس مسرحه وسألها «تشتغلي ممثلة يا شاطرة»، إلا أن الرواية تبدو غير دقيقة ما يؤكد احتمال أن تكون الرواية الأخرى أقرب للحقيقة… حيث شاركت مع صديقتها خيرية في فرقة أمين عطا الله وسافرت معها لتقديم مسرحيات في منطقة الشام، وذات ليلة ارتجلت حوارا كوميديا فوق المسرح، حوّل المشهد المأسوي إلى كوميديا صاخبة دفعت أمين عطا الله لفصلها من فرقته.
أما نجيب الريحاني فكان أول من صنع لها شخصيتها الفنية التي فتحت أمامها الطريق إلى قلوب الناس، شخصية الخادمة أو بنت البلد الشعبية التي فاتها قطار الزواج، ولعبت الصدفة دورا كبيرا في اكتشاف الريحاني لها.
ذات ليلة اعتذرت ماري منيب عن أداء دورها في فرقة الريحاني لمرضها، ولم يجد أمامه لإنقاذ الموقف سوى الاستعانة بالوجه الجديد زينات صدقي، لكنها فاجأت الجميع بأداء كوميدي مبهر، دفعت الريحاني أن يطلب من بديع خيري كتابة دور خاص لزينات صدقي في المسرحية.
الاتجاه إلى السينما
وفتحت السينما أبوابها لزينات صدقي بعد أن ظهرت في فيلم «بسلامته عاوز يتجوز»، ولأن الريحاني ومعه بديع خيري ساهما في اكتشاف وتفجير طاقة الكوميديا والحيوية والتألق لزينات صدقي، ظلت مرتبطة بفرقة الريحاني. كانت تعمل في فترة اجازة الفرقة التي تستمر سنويا «4» أشهر مع يوسف وهبي، إلا أن فرقة الريحاني كانت تحتل المرتبة الأولى في حياتها الفنية، إلى أن توفي نجيب الريحاني في العام 1949. وتوقفت عن العمل في المسرح حتى العام 1954، عندما كون اسماعيل ياسين وأبوالسعود الابياري فرقة مسرحية، ظلت إحدى نجومها وقدمت معهما 6 مسرحيات، قبل اعتزال المسرح تماما العام 1960. نجمة لربع قرن
نحو 26 عاما ظلت خلالها زينات صدقي إحدى نجمات المسرح الكوميدي، بداية من العام 1935 عندما قدمها الريحاني لأول مرة… ولا يوجد بيان دقيق يحدد عدد ما قدمته من عروض وأدوار، ولسوء الحظ لم يكن التسجيل التلفزيوني موجودا، ولا يوجد توثيق لهذا التراث الفني لزينات صدقي وغيرها من نجوم الحقبة الذهبية للمسرح المصري سوى بعض قصاصات الصحف والمجلات الصادرة في هذه الفترة.
إفيهات خاصة
«أمرك يا سبعي يا جملي يا مستبد يا سادس عشر نوم العوافي يا عريس متعافي يا أسطى في المزيكا… بهذه الكلمات وغيرها… اشتهرت زينات صدقي، ولابد أن أغلب مشاهدي الأفلام القديمة يحفظون لزينات صدقي ألفاظا وعبارات وطريقة أداء واشكال واكسسوارات وملابس تفردت بها، لدرجة يستحيل معها أن تجد ممثلة أخرى يمكن أن تنافسها في أداء أدوارها بنفس القدر من خفة الظل وسرعة البديهة وبساطة وتلقائية، الاحساس والأداء، وتعتبر أفضل من قدم شخصية بنت البلد المرحة سليطة اللسان، الشهمة، صديقة بطلة الفيلم التي تتحول إلى أحد المفاتيح المهمة لحل أزمة البناء الدرامي للسيناريو. الغريب أن زينات صاحبة الحيوية وتدفق التعبير الصوتي كما تظهر أمام الكاميرا، كانت خجولة في حياتها الشخصية.
رصيدها السينمائي 158 فيلما، أولها فيلم «الاتهام» 1934 ثم فيلم «بسلامته عايز يتجوز» 1936، وتتابعت أدوارها المهمة في أفلام تمثل تراث السينما المصرية مثل: عفريتة هانم 1949، ودهب 1953، وابن حميدو 1957، معبودة الجماهير 1967، السيرك 1968، السراب 1970، وآخر أفلامها «بنت اسمها محمود» 1975 صورته قبل وفاتها بـ «3» أعوام إلى جانب سلسلة أفلامها مع إسماعيل ياسين… حيث شكلت معه ومع عبد السلام النابلسي ثلاثيا كوميديا يستحيل نسيانه. كان الحضور الفني لزينات… يدفع منتجي السينما للتسابق لاختيارها في أدوار داخل أفلامهم… وكان أنور وجدي يحرص على الاستعانة بها، في أفلامه حتى لو في مشهد واحد.
عبقرية فنية
أدركت زينات مناطق تميزها الفني، فتعلمت كيف توظف ما اختزنته في الذاكرة من سلوكيات وأنماط الحياة والتعامل اليومي بين سكان المنطقة الشعبية بحي الجمرك بالإسكندرية، وما شاهدته من حيل وأساليب فناني المسرح، ورغم أن عملها بالرقص كان يدر عليها دخلا شهريا كبيرا، إلا أنها كانت تؤمن أن لديها موهبة تتحرك في اتجاه آخر، كان الرقص مجرد وسيلة للبحث عن لقمة العيش، سرعان ما هجرته رغم أن بديعة مصابني حاولت مساومتها على رفع أجرها حتى تستمر راقصة. أدوات صناعة وبناء الكوميديا توافرت لها… لكنها لا تعرف أساليب توظيفها، وكانت مدرسة الريحاني المسرحية وموهبة بديع خيري في الكتابة ونحت الشخصيات… هي البداية للصعود إلى قمة أداء الكوميديا.
كثيرون قالوا… إن الكاميرا كانت تسلب زينات صدقي مساحات كبيرة من جمالها، لكنها لم تكن تبحث عن حلاوة الصورة، بقدر ما كانت تفتش عن وسيلة لاقتحام قلوب الناس، وانتزاع سعادتهم من خلال ضحكة صافية… وهذا بالفعل ما حققته.
زيجات زينات صدقي
مرت الفنانة الراحلة زينات صدقي بتجربتي زواج خلال حياتها، على عكس ما يعتقد الكثير من جماهير السينما المصرية، وزمن الفن الجميل، أن الفنانة الراحلة زينات صدقي كانت عانسا.
تزوجت زينات صدقي للمرة الأولى بينما كانت صغيرة في السن، قبل دخولها عالم الفن، إلا أنها سرعان ما انفصلت عنه دون أن تنجب أطفالا، واتجهت بعد ذلك إلى العمل في السينما.
تزوجت زينات للمرة الثانية من أحد معجبيها، بينما كانت متألقة في عالم الفن، حيث كان يذهب إلى المسرح بشكل مستمر لمشاهدتها، والتودد إليها، لكن هذا الزواج لم يكن مُعلنا أمام الجمهور، إلى ان انفصلت عنه بسبب رغبته في أن تترك الفن، ورغبتها في الاستمرار في عملها وشغفها بالتمثيل.
وفاتها
ومع ذلك فقد لازمتها ظروفها القاسية حتى اللحظات الأخيرة من حياتها بعد أن أصيبت بماء على الرئة، وقبل وفاتها لم تقدم أي عمل طوال 6 أعوام إلا فيلما واحدا هو بنت اسمها محمود عام 1975، توفيت في 2 مارس 1978 في القاهرة.
في عام 2009 جسدت الفنانة بدرية طلبة شخصيتها في مسلسل أبو ضحكة جنان عن حياة الفنان إسماعيل ياسين