فيها حاجة حلوة … الدكتورة جليلة تمرهان أول طبيبة ومحررة صحفية في مصر والوطن العربي
الثلاثاء 02-05-2023 15:00
فيها حاجة حلوة تلك هى مصر وهاهى احدى بناتها الدكتورة جليلة تمرهان المتوفاة عام 1863م، طبيبة من القرن التاسع العاشر من إيالة مصر.
كانت واحدة من أوائل السيدات اللاتي نـُشرت مقالتهن في الصحافة العربية وذلك عندما نشرت مقالاتها في المجلة الطبية «يعسوب الطب» أو الرائد في الطب. وبعد إتمام دراستها عام 1847 بمدرسة أبو زعبل للتمريض، تم تعيينها من قبل المدرسة كمعلمة مساعدة ثم تمت ترقيتها في عام 1857 لتصبح معلم كبير وهو المنصب الذي زاولته حتى وفاتها.
تعتبر جليلة بنت صالح، والمعروفة في التاريخ المصري بجليلة تمرهان، هي أول طبيبة ومحررة صحفية في مصر والوطن العربي، تنشر سلسلة من مقالات صحية عن الأمراض، خاصة الأمراض التي تصيب النساء الحوامل، وذلك في مجلة اليعسوب الطبية، أقدم الصحف الطبية الشهرية في مصر والوطن العربي.
صدرت اليعسوب الطبية عام 1865م باللغة العربية، ورأس تحريرها الطبيب محمد علي باشا البقلي، رئيس مدرسة القصر العيني بين عامي 1863-1876م، بالاشتراك مع إبراهيم دسوقي بك، وظل البقلي والدسوقي يقومان على تحرير المجلة حتى العدد الخامس والعشرين، ثم انسحب الدسوقي وبقي البقلي يديرها وحده، مع مجموعة من الصيادلة والأطباء، والقابلة جليلة تمرهان، ثم توقفت عن الصدور رغم محاولات من الحكومة بإعادة إصدارها مرة ثانية.
مارست جليلة تمرهان مهنة الطب والصحافة في عصر الخديو إسماعيل، وكانت ضمن مجموعة من الأطباء المصريين والأجانب الذكور الذين قاموا بتحرير المجلة الطبية، وكانت الأنثي الوحيدة، ونشرت مجموعة من المقالات المترجمة في المجلة التي تم تأسيسها في عهد الخديو إسماعيل، بعد مرور 39 سنة علي تأسيس مدرسة أبوزعبل الطبية التي تخرجت منها كممرضة.
حملت جليلة أول صحفية بمصر، اسم والدتها القابلة تمرهان، التي دخلت مدرسة الولادة، وربما ورثت الكثير من ملامح والدتها؛ حيث لا توجد صور فوتوغرافية كثيرة لها، رغم شيوع الصور الفوتوغرافية في عصرها، كما لا يعرف تاريخ محدد لعام مولدها في القرن التاسع عشر، وقد ومارست مهنة الصحافة في عصر إسماعيل باشا، والذي كان تتواجد في عصره مجمل 27 صحيفة، منها 9 صحف تصدر بالعربية، وباقي الصحف باللغات الأخري، منها الفرنسية التي اتقنتها أيضًا جليلة تمرهان، ونقلت مقالات صحية مترجمة منها، وصاغتها بالعربية للقراء.
يؤكد أمين سامي باشا، أن محمد علي باشا حين رأي إحجام المصريين علي عدم تعليم البنات آنذاك، أمر حبيب أفندي في نوفمبر عام 1831م بشراء 10 جوار صغيرات السن، حيث قام كلوت بك مؤسس الطب في مصر بانتخابهن وتعليمهن في مدرسة الولادة، لتكون والدة جليلة تمرهان من أوائل من تلقين علم الولادة علي أسس علمية صحية ، لتعلم ابنتها التي سلكت ذات الطريق، إلا أنها زادت عليها في أنها صارت صحفية ومحررة للمقالات الصحية في مجلة اليعسوب الطبية.
قبل تأسيس مدرسة الولادة التي أخرجت دايات وقابلات في عصر محمد علي باشا كانت نسبة الوفيات في الأطفال كبيرة جدا، وكذلك بين الأمهات الحوامل، وذلك بسبب شيوع الجهل والأوبئة وغياب الطب والأدوية، وتؤكد الباحثة ليلي السيد عبدالعزيز في كتابها الأمراض والأوبئة، أن النساء كانت تتزوج في العادة في عمر الثانية عشرة فما فوقها، وقلما يتزوجن بعد العشرين، مؤكدة أن الوضع خلال عصر الحملة الفرنسية علي مصر كان صعبًا، وكان عدد وفيات الأطفال كبيرًا جدًا لدي المصريين أبناء البلد، حيث كان يموت نصف المواليد خلال العام الأول من الولادة، بالإضافة إلي شيوع حالات سقط الجنين وموت الأمهات الحوامل، بسبب تفشي الأمراض والأوبئة.
قرر محمد علي باشا النهوض بقطاع الصحة بمصر، ومنها مدرسة لتعليم الولادة، وفي عصر محمد علي باشا ظهرت فكرة إنشاء أول مستشفي ومدرسة للطب، يقول الباحث التاريخي أحمد الجارد، في تصريحات لـــ”بوابة الأهرام “أنه فى عام 1824 وصل فلورين تورينو وهو تاجر إلى مارسليا مبعوثا من وإلى مصر محمد على باشا، وذلك للتفاوض والتعاقد رئيسا للخدمة الطبية، فاستعان بصديقة كوفيير وهو من الأطباء المشهورين فى مرسيليا، وأثر خلاف نشب بينهما أستدعى كوافيير تلميذه دكتور كلوت.
وصل كلوت إلى مصر سنة 1825 وجعله محمد على رئيسا لأطباء الجيش واقترح إنشاء ديوان شورى الصحة، ووافق محمد على أيضًا على اقتراحة بإنشاء مستشفى أبوزعبل ورغم أن مجلس شورى الصحة اعترض على هذا الاقتراح معللين ذلك بعدم جدوي أهلية المصريين لتعلم هذه العلوم الأوروبية، ولكن محمد على وافق على اقتراح كلوت بك، وتم البدء فى هذه المدرسة سنه 1927 وظل كلوت بك مديرا لهذه المدرسة والتى نقلت إلى مقرها الجديد بالقصر العينى عام 1837 ويضيف الجارد أن كلوت بك كلوت بك استمر يشرف علي مدارس الطب ومنها مدرسة الولادة حتى عاد إلى فرنسا 1854.، ثم عاد كلوت بك إلى مصر عام 1856 فى عهد سعيد باشا لإعادة افتتاح مدرسة الطب من جديد ، وقد قام كلوت بك بكتابة الكثير من الكتب الطبية المترجمة وقد ساهم في محاصرة عدد من الأوبئة.
يدل كتاب دليل مصر والصادر في عهد خلفاء محمد علي باشا علي قائمة كبيرة بدايات الأطفال في القاهرة والإسكندرية، وهن الذين تعلمن في المدرسة الأولي التي تعلمت فيها والدة جليلة تمرهان حيث ضم كتاب دليل وادي النيل لعامي 1891م 1892م لمؤلفه إبراهيم عبدالمسيح علي الكثيرات من أسماء الحكيمات والقابلات الأجنبيات والمصريات وهن أمونة مصطفي ،جميلة، حنيفة حسن، خديجة محمد، خضرة بنت عبدالله وغيرهن.
أصدر إسماعيل باشا قرارا بتعميم اللغة اللغة العربية في دواوين الحكومة بدلا من التركية، كما قام بنشر المدارس لتعليم البنات وعدم اقتصارها علي مدرسة الولادة الوحيدة التي أسسها جده، وبعد إتمام جليلة تمرهان دراستها في مدرسة الولادة عينت معلمة بالمدرسة وتمت ترقيتها عام 1857م وقامت جليلة تمرهان بالالتحاق كصحفية في صحيفة الطب الأولي في مصر والوطن العربي.
ويوضح كتاب حركة الترجمة في مصر في القرن التاسع عشر للكاتب جاك تاجر أن جليلة تمرهان قامت بعمل سلسلة من مقالات مترجمة في المجلة الطبية عن اللغة الفرنسية وهو محكم الدلالة في أعمال القبالة “والذي تم طبعه فيما بعد في كتاب ، مؤكداً أن حركة الترجمة في مصر في عهد إسماعيل باشا انتشرت انتشارًا كبيرًا، خاصة في الكتب الطبية.
واستمرت جليلة تمرهان تكتب في الصحافة الطبيبة حتي توقفها عن الصدور لتفتح مجالا لسيدات أخريات مصريات يسلكن طريقها وهي فريدة عطية التي قامت بترجمة رواية الروضة النضيرة في أيام بومباي عام 1899م، وقد توفت الطبيبة والصحفية جليلة تمرهان في أحد أعوام نهايات القرن التاسع عشر بعد أن حفرت لاسمها في التاريخ المصري كأول طبيبة وصحفية تنشر مقالات للتوعية بالصحة.