رئيس التحرير

الدكتورأحمد كريمة يكتب : الإرهاب وقواسم مشتركة …  الخلافة ” تأصيل شرعى معاصر “

السبت 10-06-2023 15:12

بقلم الاستاذ الدكتور/  أحمد محمود كريمة استاذ الفقه والشريعة الاسلامية بكلية الدراسات الاسلاميه والعربية جامعة الأزهر.

تتردد دعوات متنوعة متعددة من تيارات سياسية وغيرها منسوبة إلى الدين الحق للحكم بالخلافة كنظام سياسي منسوب إلى الإسلام ، وكشأن دينى معطل .

لكشف حقائق عن موضوع ” الخلافة ” للتمييز بين الأصيل والدخيل ، والصواب والخطأ ، والحق والباطل ، والصحيح والسقيم .

أولاً : مفهوم الخلافة : الخلافة : لغة : مصدر خلف يخلف خلافة أى : بقى بعده أو قام مقامه ، وكل من يخلف شخصاً آخر يسمى خليفة ، لذلك سمى من يخلف الرسول  فى إجراء الأحكام الشرعية ورئاسة المسلمين فى أمور الدين والدنيا خليفة ، ويسمى المنصب خلافة وإمامة ()

اصطلاحاً : حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية ، والدنيوية الراجعة إليها .

ووضح واضع التعريف أنها : خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين والدنيا () وهناك ألفاظ ذات صلة تزيد المصطلح وضوحاً :

1 ) الإمامة الكبرى : رئاسة عامة فى الدين والدنيا خلافة عن النبي محمد  ، وسميت كبرى تمييزاً لها عن الإمامة الصغرى – وهى إمامة الصلاة – () .

وعلى هذا فالخلافة فمرادفة للإمامة الكبرى () .

2 ) الإمارة : الولاية ، والولاية إما عامة فهى الخلافة أو الإمامة الكبرى أو العظمى ، وإما خاصة على ناحية كإقليم ، أو على عمل خاص من شئون الدولة كإمارة الجيش ، وتطلق على منصب أمير () .

3 ) السلطة : السيطرة والقهر والتحكم ، فإن كانت قاصرة على ناحية خاصة فليس بخليفة ، وإن كانت عامة فهو الخليفة ، وفى العهود الإسلامية المتعاقبة والمختلفة وجدت خلافة بلا سلطة ، كما حصل فى أواخر الحكم العباسى ، ووجدت سلطة بلا خلافة كما فى حكم المماليك ()  .

وجدت هذه المصطلحات ( الخلافة ، الإمارة ) فى عصور إسلامية على نحو دلالتها سالفة الذكر .

واطلق ” سلطة ” على حكام غير مسلمين محتلين للدولة أو الأقطار الإسلامية .

أما مصطلح ” حكم ” بمفهومه الساسي فأطلق مؤخراً على من يتولى السلطة العامة من مسلمين وغيرهم () .

ثانياً : الحكم التكليفى : الخلافة كنظام سياسى فى الفقه التراثى الموروث واجب كفاية ثابت بدليل ” الإجماع ” ()  ولم تثبت بدليل : نصى معتبر ” أى أنها من

فروض الكفايات عند مذهب ( أهل السنة ) وهى التى يقصد الشارع تحصيلها فى الجملة من غير أن يقصد حصولها من آحاد المكلفين () .

ويرى الشيعة أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الدين إلا بها () .

وخرج عن إجماع وجوب الإمامة بعض الخوارج وبعض المعتزلة () .

وعليه : فالحكم التكليفى مختلف فيه فيرى أهل السنة أنها ” فرض كفاية ” والشيعة أنها راس الإسلام والخوارج أنها ليست أصلاً ولا فرضاً ووافقهم بعض المعتزلة .

ودليل المشروعية على الخلافة لم يرد نص قطعى الورود : القرآن الكريم ، السنة المتواترة – ، وأما الدلالة من نصوص أتت فى أمور لا تقصد الخلافة كنظام سياسي فدلالة ظنية مثل{ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}  () وجملة ( وأولى الأمر منكم ) تدل على كل مسئولية كالعلماء والأمراء وما أشبه ولم تأت لواحد ( خليفة مثلاً ) .

والحض ندباً على تأمير مسافرين لأحدهم كقوله  : ” لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم ” () فهذا فى شأن السفر ولا صلة له بالإمامة الكبرى أو العظمى ، وأيضاً مثل خبر ” من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ” () فهذا ليس فى خصوص ” خليفة عام لكل المسلمين فى شتى الأعصار والأمصار ” بدليل أن أحاديث أخرى تذكر ” الإمام ” ، ” الأمير ” ، ” السلطان ” : ( من يطع الأمير فقد أطاعنى ، ومن يعص الأمير فقد عصانى ) () ، ( من أهان السلطان أهانه الله ) () .

” أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ، ويمنعونا حقنا ، فما تأمرنا ، فأعرض .. ” الحديث () ، ” من بايع إماماً إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع …. ” الحديث () ، ” اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشى …. ” () .

فالأخبار وما ماثلها وناظرها وشابهها ذكرت اصطلاحاً ” إمام ” ، ” أمير ” ، ” سلطان ” ،

” عامل ”  ، ……  الخ .

) ” ما بال العامل نستعمله على بعض العمل …. ” () وذكر الفقهاء فى الفقه التراثى الموروث شروطاً لمن يتولى منصب الإمام منها ” النسب ” أى أن يكون ” قريشاً ” لحديث ” الآئمة من قريش ” وأصله فى البخارى ) إن هذا الأمر فى قريش ) () ودعوى إجماع الصحابة على مصطلح خلافة فيه نظر ففى سقسفة بنى ساعدة عرض الأنصار أميراً منهم ومن المهاجرين أمير عقب وفاة سيدنا رسول الله  .

على ضوء ما ذكر :

الخلافة عمل دينى فى المقام الأول وتحصر فى الخلافة الراشدة سادتنا :

أبي بكر وعمر وعثمان – رضى الله عنهم – لاتمام الدعوة الإسلامية وحدد ووصف ذلك رسول الله  فى أخبار منها : ” فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ .. ” الحديث () ، ” ستكون خلافة على منها فى النبوة ثم تكون ملكاً عضوضاً ” ()

وبعدها ملك عضوض بدءً من السلطة أو الحكم الأموى والعباسي والتركى وهذا الملك لا ينسب للخلافة الراشدة بحال من الأحوال لأنها إستيلاء على بالقوة وانقلابات وهذه العهود فيها من المخالفات الشرعية الفاضحة والفادحة ما لا يمكن نسبته إلى خلافة راشدة.

بل الحق الذى يجب المعيد إليه أن الخلافة الراشدة دينية لفترة مؤقتة لها ظروفها وملامحها وقادتها أكابر الصحابة من السابقين – رضى الله عنهم – لمهام دينية فى المقام الأول .

وما بعد ذلك فنظام حكم وسلطة لا أكثر تسمى ( خلافة إسلامية ) مجازاً وليس حقيقة .

إن الذين ينادون بإعادة الخلافة – مع حسن الظن بمقصدهم – على فرض وجوبية الخلافة كنظام سياسي هل وعوا أن حكام دول عربية معاصرين خاصة بالخليج العربى لا يصلحون لتبوأ إمامة كبرى لأنهم لا ينسبون إلى قريش ، وأن قادة تيارات منسوبة إلى الدين من جماعات وفرق لا يصلحون للغرض ذاته ، فإلى من يدعون لو فرضنا جدلاً أن حكماً سياسياً فى ايامنا المعاصرة بمستجداتها ومستحدثاتها ومتغيراتها يمكن قيامه فى ظل دول إسلامية عربية وغيرها لها كيانات سياسية يتعذر وحدتها سياسياً يمكن قيامه على أنه ( خلافة ) ، عمن ؟ولمن ؟ !! ()

والى اللقاء فى سلسله جديده من كتابات  العالم الجليل والفقيه الإسلامي

التعليقات مغلقة.