رئيس التحرير

الدكتور احمد كريمه يكتب : التحذير من الإعتداء على الدين .

السبت 05-08-2023 20:16

بقلم الاستاذ الدكتور/  أحمد محمود كريمه استاذ الفقه والشريعة الاسلامية بكلية الدراسات الاسلاميه والعربية جامعة الأزهر.

الإسلام ‎دين الله -تبارك وتعالى للبشرية جمعاء ، من لدن آدم حتى محمد صلى الله عليهما وسلم تسليماً  وقد جاء والتزم به الأنبياء والرسل – صلوات الله وسلامه عليهم أجمين . ().

والدين من حيث معناه الإصطلاحى : فإنه -عند الإطلاق- يراد به ما شرعه الله -تعالى- لعباده من أحكام ، سواء ما يتصل منها بالعقيدة أو الأحكام العملية أو الأخلاق ، ولفظ (الشرع) يتفق مع مدلول (الدين) .

إذا علم هذا : فإن الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم- أرسلوا لأقوامهم خاصة وبعث سيدنا محمد ( للناس كافة ، لذا فرسالته أعم وأشمل الرسالات ، وبها نسخت كل شريعة سابقة لها ، واعتبرت كلمة (الإسلام) علماً على الدين الذى جاء به محمد ( والذى يقوم على اتباع القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وبتمام هذا الدين كمل الدين الذى ارتضاه الله -تعالى- لعباده { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً}() ، وبين سبحانه أنه الدين الذى لايقبل من عباده ديناً غيره {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}() وأنه -تعالى- جعله الدين عنده { إن الدين عند الله الإسلام } () ، وجعل النطق بالشهادتين مع صدق الإعتقاد وخلوص الإلتزام بها مفتاح وأساس الإلتزام والدخول فى هذا الدين .

وقد دل المصدران الأساسيان الرئيسيان على أن الإسلام له شعبتان أساسيتان ليتحقق وجوده إلا بهما :

1- العقيدة : ( أركان الإيمان الست ) .

2- الشريعة : الأحكام العملية للمكلفين فى العبادات والمعاملات …. إلخ ، ولا توجد حقيقة الإسلام ولا يتحقق معناه إلا إذا أخذت كل واحدة من العقيدة والشريعة حظهما من التحقق والوجود فى باطن الإنسان وظاهره ، يقول الله -تعالى- { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }() .

ويقول رسول الله ( (( قل آمنت بالله ثم استقم ))() والدين إذا كان بهذا الوصف فإن حاجة الإنسان إليه ماسة والنصوص والشواهد فى أهمية الدين ومكانته‎ ووسائله ومقاصده واضحة وضوح الشمس فى عالية النهار ، وإشراقة البدر ليلة التمام ، وإذا كان بهذه المنزلة والأهمية فإن الشارع الحكيم جعله من أعلى رتب المصالح الضرورية() التى يجب المحافظة عليها ، وقد شرعت الشريعة الغراء (تدابير إحترازية)() (تدابير زجرية) () للمحافظة على قدسية (الدين) وحرمته ، وإلتزام أهله به وتعظيم شعائره ، ومن ثم فإن الإعتداء على الدين من قبل المرتدين والزنادقة يعد من أعظم الجرائم والموبقات لأنهم يعتدون على أنفس ما يحتاجه الإنسان ، وأثمن ما وهبه الله -تعالى- له ، والإنسان متى اتخذ ديناً حقاً له وهو الإسلام ، فليس له أن ينفصم عنه لأنه بخروجه يعد طاعناً فيه ، داعياً غيره للخروج عليه والإنفصال عنه وتلك مفسدة لاتعادلها مفسدة ، لذا فقد فضح الله -تعالى- نوايا المجترئين على الدين المتلاعبين به كاليهود الذين سلكوا هذا المسلك الشائن لعداوتهم للإسلام وكراهيتهم للمسلمين ، يقول الله -تعالى- { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا به آخره لعلهم يرجعون }() ، وكما حكى القرآن الكريم عن كيد الكفار وعبثهم بهذا الدين { وقال الذين كفروا لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون }() .

فالتطاول على الأصول الشرعية التى يقوم عليها بنيان الدين ، وعلى الثوابت

التى هى بمثابة الأسس ليس كما يزعم الكارهون للإسلام الحاقدون عليه ( حرية فكر) بل (حرية كفر)!! لأن العبث بالأصول والثوابت الشرعية يعد جناية على الدين ، وإخلال بحتمية الإلتزام به ، وهذا لايصطدم مع حرية الإعتقاد لأنها إنما تكون للإنسان قبل إسلامه فله أن يدين بغير الإسلام ولا يجبر ولا يكره على تغيير ديانته إلى دين الإسلام وهذا هو المعنى بقوله -تعالى- { لا إكراه فى الدين }() ، أما إذا رضى الإسلام ديناً فيجب عليه الوفاء وبالإلتزام به ، فشتان بين كافر معروف عنه عداوته للإسلام ، وبين مسلم انتسب إلى الإسلام ، فالكافر إذا طعن فى الإسلام ورام التطاول على الأصول والثوابت الشرعية يعد محارباً يجب التصدى له حماية للدين الذى هو قوام الحياة وسرها ، أو ناقضاً للعهد فيصبح مهدور الدم !! فإذا كان الكافر – معاهداً أو غير معاهد – يجب التصدى له إذ اعتدى على الدين فما بالنا بالمسلم حين يخرج على هذا الدين بشبه وفتن وشغب ولجب ترمى إلى العبث والتشكيك أفلا تكون معاقبته أولى وأشد !.

وقول المجترئون على قدسية الدين بحرية الفكر وحرية العقيدة وحرية البحث والنظر ، قول مأفون لأن حرية الفكر لها ضوابط فليس من المعقول و لا المقبول السعى لإهلاك الحرث والنسل بزعم حرية الفكر ، ولا ترويع الآمنين ولا الخروج على الحاكم بدعوى حرية الفكر وحرية البحث والإلتزام بالعقود – حتى فى القوانين الوضعية- يجب الوفاء بها ضماناً لإستقرار المصالح وحمايتها عن العبث فما بالنا بأنفس العقود وأثمنها (عقد الدين) والردة ليست قضية حرية بحث أو حرية عقيدة بل حرية خروج على النظام العام للدولة لأن الإسلام -كما سلف- عقيدة وشريعة ، فالعقيدة أصله ، والشريعة منهاجه فى طاعة الله -تعالى- بأداء العبادات والصدق فى المعاملات والسمو فى الأخلاقيات ، الشريعة وعاء لإحتياجات المجتمع فى النواحى السياسية والإجتماعية والإقتصادية والفكرية ، فالخروج على شريعة الإسلام خروج على النظام العام للدولة أفلا يكون الخروج بناء على هذا ( خيانة عظمى ) !!

وحرية الفكر التى يتشدق بها المارقون العابثون مكفولة فى المجتمع المسلم مالم تصطدم مع ثوابت (الأوامر والنواهى) الشرعية يقول الله -تعالى- { قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون }().

والردة ليس كما يتقول المتقولون المغالطون تنقيب عما فى البواطن والسرائر . كلا ! فالردة -كما سيأتى- يحكم بها وفق الظاهر لا الباطن ، فالأقوال الفاسدة والأفعال المحرمة المجرّمة ، والترك المتعمد للأوامر ، كل هذا أمور ظاهرية تدلل على فساد الإعتقاد ، فالعقيدة أمر باطنى لا يعلمه إلا الله -تعالى- لكن هذا الباطن له دلائل وعلامات تدل عليه وتوضح ماهيته بحسب الظاهر من قول أو فعل .

وقد حذر القرآن الكريم المرتدين وبيّن سوء عاقبتهم فى الدنيا والآخرة

فمن ذلك :

قول الله -تعالى- { ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }() .

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبه ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم }().

قوله تعالى { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم . ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم فى بعض الأمر والله يعلم إسرارهم  فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول والله يعلم أعمالكم . . . }()

فليحذر المعتدين على (الدين) لأن عدوانهم كما سلف إنما هو عدوان على النظام العام للمسلمين ، على عقول وقلوب الناس ، على مشاعرهم وأفكارهم ، { وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }()

والله عز وجل ولى التوفيق والى لقاء فى مقالات قادمه

التعليقات مغلقة.