الدكتورة منى حنا عياد تكتب : دراما رمضانية
الجمعة 15-03-2024 20:33
بقلم دكتورة : منى حنا عياد
أثارت بعض مسلسلات رمضان ، بعض الانتقادات تناولت مضمون هذه المسلسلات وعابت عليها المبالغة في عرض الجوانب المظلمة في المجتمع المصري. وبعض الانتقادات تساءلت عن سبب التركيز على العنف والجريمة والمخدرات. ويتعجب الكثيرون من تجاهل الإيجابيات الموجودة على أرض الواقع والتركيز على السلبيات، ويرى البعض أن السياق العام لمعظم المسلسلات يرسم صورة ذهنية سيئة عن مصر في وجدان الإخوة العرب الذين غابوا عن مصر طويلاً، فلا يروا منها سوى مسلسلات توحي بانتشار كل أنواع الجرائم لتبدو مصر وقد اختزلت في موطن الفساد.
أثارت هذه الانتقادات موجة مضادة ترفض التدخل في المسلسلات باعتبارها أعمالاً فنية يختار موضوعاتها ويكتب سيناريوهاتها فنانون، ولا يجوز إعمال الرقابة على هذه المسلسلات حرصاً على الإبداع الفني وخوفاً من الحجر على حرية الفكر. كما يرى البعض أن هذه المسلسلات تعكس جزءاً من واقع نعيشه ولا يجوز إغفاله لأن التركيز عليه يجعل المجتمع أكثر اهتماما بالتعامل مع السلبيات التي يعرضها، وأن الحديث عن الإيجابيات فقط لا يفيد في تصحيح الأوضاع المعوجة.
والحوار الدائر يتكرر كل عام حتى أصبح من لوازم شهر رمضان. ولا يتم حسم هذا الحوار لأن كل طرف يتناول الأمر بشكل احادي ويتجاهل الطرف الآخر. وأحد الاعتبارات الحاكمة له علاقة بانطباع سائد بأن نسب مشاهدة العمل الدرامي ترتفع إذا تضمن مشاهد العنف والكلمات النابية. ومن خلال صناعة الإعلانات، تحسم اعتبارات المكسب والخسارة الأمر بالنسبة للمنتجين وبالنسبة لأصحاب القنوات التليفزيونية ولا تترك لهم خياراً. وترسخ في الوجدان أن العمل الدرامي لن ينجح إذا خلا من أحد نوعي التوابل: العنف ، وربما يرى البعض أن النجاح يكتمل لو جمع العمل الدرامي بين السوأتين.
وفي خضم هذا النقاش الذي يبدو كما لو كان صراعاً بين قوى الخير والشر، يتوارى اعتبار هام تتجاهله كل الأطراف المسؤولة عن منظومة الدراما في مصر، وهذا الاعتبار يتم احترامه في مجتمعات يحلو لنا وصفها بأنها مجتمعات منحلة لا تلتزم بالقيم الشرقية الأصيلة التي نكتفي بالتشدق بها دون أن نطبقها. وهذا الاعتبار الهام هو حق المشاهد في الاختيار وتمكينه من عدم مشاهدة المحتوى الذي يتضمن مشاهد عنف مفرط صريح أو ألفاظ نابية إذا كان هذا المحتوى يؤذي مشاعره.من الواجب أيضا الإشارة إلى أن التعامل مع هذا الموضوع يجب ألا يؤدي إلى الإضرار بصناعة المسلسلات باعتبارها قطاعاً اقتصاديا يسهم في توليد دخل وفي خلق فرص عمل كما أن المسلسلات المصرية حققت تاريخياً ريادة مصرية تعتبر من ضمن أدوات القوة الناعمة لمصر التي يجب استمرارها. وربما يخشى بعض المنتجين أن يؤدي تطبيق هذه الاعتبارات إلى ضياع حصتهم السوقية في السوق المحلي وفي السوق العربي، وهي نقطة لها وجاهتها.
والهدف هو تجاوز الحالة السلبية المتمثلة في التذمر المتكرر -من محتوى المسلسلات التي تدخل البيوت دون استئذان- إلى حالة إيجابية ترسي منظومة تضمن حق المشاهد دون أن تقيد حرية الإبداع.