سامي التميمي يكتب : ثورة المارقين ، لاتصنع دولة
الثلاثاء 03-12-2024 17:04
بقلم : سامي التميمي
في النصف الثاني من القرن العشرين شهد تغييراً كبيراً للسلطات الحاكمة في الكثير من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وقد جاءت تلك التغييرات، في معظمها، عن طريق الفوضى والأستهتار والعنف، إما بانقلابات عسكرية خاطفة وسريعة تفاوتت درجة دمويتها، أو عن طريق حروب أهلية قبلية طائفية أو عرقية دينية ، بشعة ووحشية. مع ذلك، لم تستفد السلطات من دروس وعبر التاريخ، ولم ترفع المظالم والحيف عن شعوبها بل استمرت في بسط قبضتها الأمنية المقيتة ، وفي الحفاظ على امتيازاتها دون أن التشخيص والتفكير بالإصلاح والتوزيع العادل للثروات، أو حتى بتأسيس حياة سياسية ديموقراطية، ولذلك بقيت أحتمالية الانفجار في أي لحظة قائمة في معظم تلك البلدان القلقة سياسياً وأقتصادياً . ودائما ماتنفجر الأوضاع في تلك البلدان ، بسبب عدم الأدارة الصحيحة لمفهوم أدارة الدولة ، وعدم تمكين القيادات الفكرية والأكاديمية ( التكنوقراط ) لمفاصل الدولة ، وعدم تطبيق الأدارة والتنمية الأدارية والقانونية بشكلها الصحيح والمتطور المبني على الثقافة الأبداع . فلذلك نجد دائما ً مايقوم بتلك الثورات ، الجياع والمحرومون ، ولكن سرعان مايستولي عليها ، بعض الحركات الأسلامية ( الراديكالية ) لأنها تمتاز بالتنظيم والخبرة في في قيادة المجتمعات الصغيرة في التثقيف والتوجيه نحو أهدافهم ومصالحهم الخاصة ، أو العسكر الذين أيضا ً ، يمتازون بالتنظيم والتوجية والتثقيف في قيادة مجماميعهم العسكرية ، فلذلك لايجدون صعوبة في أستغلال والصعود وأدارة تلك الجموع ، حينما تنزل الى الشارع للمطالبة بحقوقها ، وقد ينتهي الأمر أما للعسكر أو للأحزاب الأسلامية الراديكالية ، حسب القوة والمال والتأثير والأقناع . وهذا ما حدث في أكثر الدول العربية ، منذ عدة سنوات، فيما يعرف (بثورات الربيع العربي ) وكان الأختلاف واضح وجلي في المشهد السياسي والثقافي، مع هذا أستمرار هذا الزلزال المدمر لكل شيء، حوار ونقاش هادئ وأخر عراك وأختلاف واسع حول مفهوم الثورة، واختلف الناس في تصنيفها، فبعضهم اعتبرها ( مهزلة وبلوى ودمار ) مثلما ماجرى في تونس وسورية ومصر وليبيا من ثورات، والبعض الآخر يمحو عنها صفة الثورة، وفي كل الحالات أن مفهوم الثورة إيجابية دائماً أي أن هذه الصفة” مقبولة نوعاً ما ، ولكن تاريخ الثورات لا يقر هذا المديح بأستمرار ، لذلك لا بد من الرجوع الى قراءة التاريخ والفكر السياسي والثوري المعمق وبصورة مباشرة وواضحة إلى تحديد معالم ومعنى مفهوم الثورة على الرغم من أن التحديد لن يؤثر على أرض الواقع شئ . ولذلك نجد أن الكثير من الثورات والأنقلابات التي صنعها العسكر ، هي فاشلة لأنها مبنية على فكرة التسلط والأستبداد ، وحب الذات ( العظمة ) . وكذلك الثورات التي صنعها الأسلام السياسي ( الراديكالي ) . هي دائما ماتقوم على تهميش وأقصاء الأخرين تحت حجج وذرائع عديدة وفق الثقافات والأرضية التي تربوا عليها . فدائما ً ومنذ البداية ماتعلوها الرايات والشعارات الدينية والطائفية والعرقية ، ويصاحبها حرق الأطارات وغلق الطرق ، المراكز العلمية والخدمية والمواصلات ، والتصفية الجسدية والتهجير والأغتصاب و ( قطع الرؤوس ) . وغالبا ً ماتنجح تلك الثورات لفترات قصيرة ، بأستمرار القمع والعنف ، ولكن نهايتها دموية ومؤلمة ، لأن المجتمعات لاتقبل بذلك النهج المتطرف والعنصري المستبد . الشعوب بدأت تفهم وتعي ، بأن الخلاص من الأنظمة المستبدة ( الديكتاتورية ) لايعني أستبدالها ، بأنظمة أخرى قمعية ، نهجها طائفي وعنصري . من الثورات النظيفة والجميلة هي ثورة القرنفل في البرتغال وكان هذا الاسم سمةحقيقية لها ، لأنه لم يُطلق أي رصاصة من خلالها، وعرضت ( سيليستي كاييرو ) القرنفل للجنود عندما خرج السكان إلى الشوارع للاحتفال بنهاية الدكتاتورية، وساندها متظاهرون آخرون بهذا العمل ، تم وضع القرنفل في كمامات البنادق وعلى ملابس الجنود. وشكروهم على هذا الفعل البطولي ، ولكن أقنعوهم بأن أدارة الدولة يجب أن تكون مدنية علمية وقانونية من التكنوقراط . وبالفعل كانت أفضل الثورات عموماً هي الثورة البرتغالية ، كانت نهايةً لنظام ( إستادو نوفو ) أطول نظام قمعي استبدادي في أوروبا الغربية ، فككت الإمبراطورية البرتغالية. في تلك الثورة، وأُعيدت صياغة دستور جديد، وحُظرت الرقابة، وسُمح بممارسة حرية الرأي والتعبير، وأُطلق سراح سجناء الرأي والسياسين، ومُنحت أغلب الأراضي البرتغالية التي أحتلتها خارج البرتغال في جنوب الصحراء في أفريقيا استقلالها. ومُنحت تيمور الشرقية الاستقلال، قبل وقت قصير من غزوها لإندونيسيا. لذلك علينا وفي مجتمعاتنا العربية والمسلمة ، أن لانكون ( كالقطيع ) نحتاج الى راع يقودنا ، يجب أن نشارك في ترشيح القادة حسب الضوابط والقوانين والشروط ، وضرورة أن نشارك في أنتخاب القادة للبرلمان والدولة وفق منطق عقلاني مستند للحكمة والثقافة والنزاهة والوطنية ، وأن لانمشي خلف ، ولائاتنا الحزبية والعرقية والدينية والطائفية والعشائرية ، ضرورة أن نفهم ونعي ( الأصلح هو من يقود الدولة والمجتمع ) وليس غيره . وضرورة أن يكون لدينا ثقافة التخلي عن المنصب للأفضل والأكفأ وفق ضوابط الأنتخابات . وأن ندعم الكفوء ونراقبه بأستمرار ونشخص أخطائه أن وجدت ، وننتقده ونقيله أن أستمر بنهجه الخاطئ . هكذا تبنى الأوطان بالعلم وبالثقافة والنزاهة والأبداع .