رئيس التحرير

الدكتورة منى حنا عياد تكتب :الإنهاك المعلوماتي للأطفال 

الثلاثاء 08-04-2025 13:27

بقلم /دكتورة منى حنا عياد 

في صباح كل يوم، يودع الآباء أطفالهم وهم يختبئون خلف شاشاتهم، يظنون أن الصمت الذي يملأ المكان هو منبئ بالسلام والهدوء، في الواقع، إن هذا الهدوء ليس سوى غطاء يعكس ضعفًا في الاتصال بين أفراد الأسرة، وبداية لفجوة تزداد اتساعًا كلما استمر هذا الركود الرقمي، وبدلاً من أن يكون الإنترنت وسيلة للتعلم أو التواصل، أصبح عالمًا مغلقًا يشد الأطفال إليه بخيوط لا مرئية، ويجعلهم في عزلة عن الحياة الحقيقية. يظهر أمامنا تساؤل حتمي: هل نحن نعلم ما الذي يشاهده أطفالنا؟ هل نعرف مدى تأثير الفيديوهات والألعاب التي يستعرضونها على عقولهم الصغيرة؟ الحقيقة المؤلمة هي أن معظم الآباء لا يدركون حجم الأضرار التي يتعرض لها أطفالهم وهم غارقون في هذه الشبكة العنكبوتية. الأضرار الصحية، مثل ضعف البصر والإرهاق الجسدي، هي الأثر الظاهر، ولكن الأخطر من ذلك هو الأضرار العقلية، فالأطفال الذين يقضون ساعات طويلة في مشاهدة محتويات الفيديوهات غير المدروسة أو في التفاعل مع الألعاب العنيفة، قد يفقدون القدرة على التفكير النقدي أو التحليل المنطقي. هذا العالم الافتراضي، الذي يعج بالمحتويات غير الموجهة، يصبح بمثابة “أسرة بديلة” تؤثر في أطفالنا وتعيد تشكيل مفاهيمهم، فبدلاً من أن يتعلموا من تجارب الحياة الحقيقية، أصبحوا يتعلمون من اللايكات والشير والإيموشن. تتبدد اللحظات الإنسانية الجميلة، مثل الابتسامة الحقيقية أو التفاعل مع الأصدقاء، لصالح ضحكة زائفة من خلال قطعة بلاستيكية صغيرة تسمى الهاتف المحمول. إن إدمان الإنترنت ليس مجرد مسألة ترفيه أو ملء وقت فراغ، بل هو مشكلة ذات أبعاد خطيرة تستدعي تدخلًا سريعًا، أصبح من الواجب على الآباء والأمهات أن يتخذوا خطوات جادة للحفاظ على توازن حياة أطفالهم. يجب أن نتحدث إليهم، أن نعلمهم كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن ومنظم، وأن نحدد لهم أوقاتًا معينة للتفاعل مع الأجهزة الإلكترونية، كما يجب أن نكون قدوة لهم في التفاعل مع العالم الحقيقي، وأن نعيد إلى حياتهم اللحظات التي قد تبدو بسيطة لكنها غنية بالمعنى. إن هذا التحدي يحتاج إلى جهد جماعي، وتعاون بين الأسر والمجتمعات والمدارس، لتوعية الأطفال بأهمية الاعتدال في استخدام التكنولوجيا، وللتأكد من أننا نعيد تشكيل عقولهم في اتجاهٍ أكثر نضجًا وتوازنًا. إن تأخرنا في ذلك قد يعرض أجيالنا القادمة لخطر الفقدان في زحمة هذا العالم الافتراضي. الإنترنت ليس سجنًا، ولكن عندما لا نعرف كيفية استخدامه، يتحول إلى قيود لا نراها، حان الوقت لنعيد رسم حدود بين عالمنا الحقيقي وعالمهم الافتراضي، قبل أن يفقد أطفالنا القدرة على التميز بينهما.

اضف تعليق