رئيس التحرير

الشاعرة الفلسطينية د. أحلام أبو السعود تكتب : غزة بين القاتل والمتآمر والمتخاذل

الثلاثاء 15-04-2025 15:16

بقلم: د. أحلام أبو السعود– سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية
_________________
غزّة، المدينة التي لا تنام إلا على لحن القصف، ولا تستيقظ إلا على نداءات الاستغاثة، أصبحت عنوانًا دائمًا للفاجعة، وعنوانًا أعظم للصمود. في كل زاوية من زواياها رُكام، وفي كل رُكام حكاية بيتٍ قُصف، أو عائلةٍ أُبيدت، أو طفلٍ حلمه انطفأ وهو بين دفات كُتبٍ لم يُكملها. غزة اليوم ليست فقط تحت النار، بل تحت خيانة التاريخ، وسُبات الضمائر، ووشاية الجغرافيا.

إنها ليست حربًا، بل مذبحة مكتملة الأركان، تُرتكب على مرأى ومسمع العالم، في زمنٍ بات فيه الصمت أفظع من الرصاص، والتواطؤ أشد فتكًا من القنابل الذكية. الكيان الصهيوني لا يقتل وحده، بل يتكيء على حلفٍ عابرٍ لكل حدود الأخلاق، يبدأ من غرف القرار الدولي البارد، ولا ينتهي عند عواصم عربية مُفرغة من النخوة، تُغلّف تواطؤها بالصمت، وتُبرّر خذلانها بكذبة “الواقعية السياسية”.

غزة لا تسقط تحت القصف، بل تنهض مع كل شهيد، وتُقاوم من تحت الأنقاض، وتصرخ في وجه العالم: “أنا الحياة، فكيف تُطفئونني؟”. وبينما تُقصف المساجد والمستشفيات، وتُدفن الأجنة تحت الردم، نرى بعض العرب يدفنون رؤوسهم في الرمال، يوزّعون بيانات الإدانة الباهتة، ثم يعودون إلى موائدهم العامرة بالنفاق.

أما العالم الإسلامي، فمنه من أدار ظهره، ومنه من اكتفى بالدموع والدعاء، كأن غزة لا تستحق غير الشفقة، وكأن عن الأوطان اليوم صار تهمة. وأما المجتمع الدولي، فحدث ولا حرج؛ مجلس أمن أعمى، وهيئات حقوقية خرساء، وشاشات لا ترى إلا ما يوافق مصالحها.

غزة اليوم لا تبحث عن الشفقة، بل عن العدالة، عن صوت حرّ، عن موقف يُشبهها، عن عربيٍّ لا يخاف أن يقول: “الدم الفلسطيني ليس رخيصًا”. عن مسلم لا يخجل أن يصرخ في وجه الطغيان، عن إنسان لا تقيّده حسابات السياسة عن قول الحقيقة.

غزة تقف اليوم على الحدّ الفاصل بين الموت والحياة، بين الحقيقة والزيف، بين البقاء والاندثار. لكنها، كما عهدناها، تُراهن على نورها رغم العتمة، على دمها رغم الخذلان، على حقّها رغم التآمر.

فلتسقط الأقنعة، ولتتكشف الوجوه. ففي محرقة غزة، لا مكان للحياد، ولا مكان للرمادي. إما أن تكون مع الحياة، مع الحق، مع غزة، أو تكون في صف القاتل، ولو لبست عباءة الصمت.

اضف تعليق