هيثم زينهم رئيس التحرير يكتب : ( الهداف ) … “بين العنب والموت… 19 زهرة من كفر السنابسة ذبلن على الطريق الإقليمي… فمن يُحاسب؟”
السبت 28-06-2025 17:30

بقلم : هيثــم زينــهـم رئيــس التــحــريــر
. “حكاية 19 زهرة… انتهت على الطريق… وبدأت في قلوب من بكوا”
أيها الطريق الممتد كالوجع…كم من حلم التهمته دون رحمة…؟ وكم من زهرة… دهستها عجلات الغفلة… واللامبالاة…؟ يا سماءً شاهدت الرحيل بلا وداع… ويا أرضًا ابتلعت الدموع والدم… هنا…في هذا الصباح الثقيل…كانت الحياة تعد لهن يوماً من الشقاء…لكن الموت… كان أسرع… وأقسى… وأبكم
في قلب قرية كفر السنابسة بمحافظة المنوفية…
استيقظت 19 زهرة…وجوه مشرقة… بأمل صغير…خرجت الفتيات إلى رزقهن…كما اعتدن…إلى حقول العنب…حيث تعب اليد… وعرق الجبين…لكن في هذا الصباح…كان هناك ما ينتظرهن في منتصف الطريق…
شيء يشبه الموت… لكن أبشع…تريلا ثقيلة… تسير عكس الاتجاه…عكس الحياة…وعكس أحلامهن.الميكروباص… الذي كان يحملهن…تحول في لحظة… إلى ركام من الحديد…الضحكات تبعثرت…وأحلام العودة إلى البيت… انتهت…والأجساد… تمددت فوق الإسفلت…كأن كل واحدة منهن… زهرة مقطوفة… سقطت بلا صوت.كانت 19 فتاة يحملن وجوهًا تعرفها كل الأزقة…كل واحدة… لها حلم…لها انتظار…
لها أم تنتظر عودتها…وأب يحلم برؤيتها تكبر…وأخت صغيرة تتمنى منها حضنًا آخر.أحلام 19 زهرة… قبل أن يقطفها الموت لم تكن تلك الفتيات مجرد أرقام في سجل وفيات…كنّ قلوبًا تنبض بالأمل…كل واحدة… تحمل في صدرها أمنية مؤجلة…من بينهن من كانت تحلم أن تتخرج من الجامعة… لتصبح معلمة… أو موظفة… أو حتى أول خريجة جامعية في بيتها…وأخرى كانت تحلم بجهاز عروس صغير… تجمع له من كل جنيه تكسبه من قطف العنب… هناك من كانت تنتظر أن تشتري هاتفًا جديدًا… بدلًا من هاتفها القديم المتشقق…وأخرى كانت تدخر لتساعد أخاها الصغير في مصاريف المدرسة…منهن من كانت تحلم فقط… أن تعود إلى أمها بعبوة زيت… وكيس سكر… لتفرح بها الأسرة بعد يوم من التعب…وكانت هناك من تضع كل أملها في رسم بسمة على وجه أبيها المريض…ومنهن طالبة جامعية… كانت تحلم أن تكمل دراستها… حتى تصبح مهندسة …
19 قلبًا…
19 حلمًا…
19 مستقبلًا…
كلهن خرجن من بيوتهن…
وفي عيونهن خريطة من الأمل…
لكن الطريق…
أغلق عليهن كل الأبواب.
كفر السنابسة… قرية الحداد المفتوح
في دقائق…تحولت كفر السنابسة من قرية هادئة… إلى خريطة من الألم…أمهات يصرخن بأسماء بناتهن…آباء يلتقطون الأخبار من أفواه المارة…وشباب القرية… يتزاحمون حول المشفى…والقلب… يكاد ينفجر من حجم المصيبة.لم يعد في القرية بيت بلا دمعة…ولا شارع بلا جنازة…ولا أم بلا قلب مكسور…19 نعشًا…تسير متتالية…كأن الحزن قرر ألا يترك أحدًا في القرية… إلا وأصابه.
الفقر… القدر… والطريق الذي لا يعرف الرحمة كانت هذه الفتيات… يخرجن كل صباح بحثًا عن رزق حلال…في رحلة بين الحقول…تحت شمس يوليو الحارقة…وفي قلب معاناة يومية…
لكن الطريق…
والإهمال…
والقدر الأسود…
قرروا أن تكون النهاية بهذه القسوة…
شاحنة ضخمة…
تتحدى قوانين السير…
وتسير عكس الاتجاه…
وتقضي في لحظة… على 19 روحًا…
كأنهن لم يكنّ…
وكأن حياتهن… مجرد تفصيل صغير في نشرة أخبار عابرة.
من المسؤول…؟ والوجع الذي لن يسقط بالتقادم
اليوم…
الأهالي يصرخون…
يطالبون بمحاسبة المتسبب…
بسؤال واحد:
“من الذي ترك هذا الطريق دون رقابة…؟ من سمح لشاحنة أن تسير عكس السير… وتحمل الموت لأطفالنا…؟”
كلمات العزاء وحدها… لا تكفي…والدموع… لا تجف…والحزن… أكبر من أن يحتويه بيان رسمي…إنها أرواح…
وكان من حقها أن تعيش. ودعوة للحياة
بين العنب… والموت…
ضاعت 19 زهرة…
لكن صوتهن… باقٍ…
في كل بيت…
وفي كل قلب…
وفي كل شارع من شوارع كفر السنابسة…
رحم الله فتيات الحقول…
بنات الرزق الشريف…
ونساء المستقبل الذي لم يأتِ…
وجعلهن طيورًا في الجنة…
وكتب لنا جميعًا… طرقًا لا تعرف الخيانة…
وحياة… لا يسرقها الإهمال.