رئيس التحرير

د. أحلام محمد أبو السعود تكتب : الوصاية الأمريكية على غزة: بين الإغاثة والتموضع الاستراتيجي

السبت 02-08-2025 15:45

༺༺༺༻༻༻༺
✍️ بقلم: د. أحلام محمد أبو السعود
سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية
༺༺༺༺༻༻༻
✳️ الزيارة التي قام بها المبعوث الأمريكي “ديفيد ويتكوف” إلى قطاع غزة برفقة السفير الأمريكي، ليست مجرد جولة تفقدية لمراكز الإغاثة أو استعراض إنساني أمام عدسات الإعلام. هذه الخطوة تحمل في طياتها تحولات كبرى تُرسم للقطاع، في ظل حديث متصاعد عن مرحلة “ما بعد الحرب”، وضرورة تثبيت شكل جديد للحكم والرقابة والتمويل داخل غزة.

✳️ الإغاثة كواجهة… والهيمنة كجوهر

الولايات المتحدة تستخدم ملف الإغاثة بوصفه الأداة الأنسب للدخول إلى ساحات النزاع دون مقاومة سياسية أو شعبية مباشرة. في غزة، حيث تنهار البنية التحتية والمؤسسات، وتتفكك الروابط الاجتماعية بفعل الكارثة المستمرة، باتت بيئة خصبة للتدخل الأمريكي بشعار “الإنقاذ”. لكن وراء هذا الشعار، تتشكّل وصاية ناعمة تفرض واقعًا جديدًا على الأرض.

✳️ هل هو تموضع عسكري؟

ثمة مؤشرات على أن أمريكا لا تكتفي بالدور السياسي والإغاثي، بل تستعد لتثبيت وجود أمني غير مباشر، عبر:

نشر وحدات أمنية أو لوجستية من جنسيات مزدوجة.

استخدام مواقع استراتيجية في غزة، مثل الفنادق الكبرى، الشاليهات، والمجمعات على شاطئ البحر، كمقرات لبعثات دولية تحت الغطاء الإنساني.

العمل على تكوين إدارة مدنية خاضعة لرقابة خارجية، تمولها وتديرها الولايات المتحدة عبر مؤسساتها أو شركائها الأوروبيين.

✳️ غزة… من ملف أمني إلى ملف تجاري إنساني

هناك مسعى أمريكي لتحويل القطاع من “منطقة صراع” إلى “منطقة تنمية مضبوطة”، عبر إعادة الإعمار المشروطة، وتمويلات مقابل الالتزام بالهدوء، وفرض بنية أمنية ناعمة تمنع عودة أي شكل من أشكال المقاومة. هذا النموذج قريب من المناطق العازلة التي يُعاد تأهيلها لتكون جبهات صامتة، لا تنفجر، ولا تتنفس.

✳️ واقع جديد تحت غطاء إنساني

أمريكا لا تريد أن تحكم غزة بالسلاح، بل بالمنظمات، الشركات، والمؤسسات المانحة. هذا الواقع الجديد يتشكّل بصمت، ويُسوّق إعلاميًا على أنه “نجدة لغزة”، لكنه في جوهره إدارة طويلة الأمد لقطاع مُنهك، بعيدًا عن القرار الفلسطيني الحر.

✳️ غزة تُسلَّم تدريجيًا إلى وصاية أمريكية دولية، بموافقة ضمنية من قوى داخلية ترى في هذا الحل إنقاذًا مؤقتًا. ومع غياب البدائل، وافتقاد غزة لقوة موحدة قادرة على فرض رؤيتها، يبدو أن الوجود الأمريكي سيتكرّس ليس كمحتلّ، بل كـ”منقذ محايد”، يُعيد ترتيب كل شيء: من الأمن إلى الغذاء، ومن السلطة إلى الهوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *