محمد أكسم يكتب: هويتنا في زمن التغيير
الأربعاء 20-08-2025 15:42

بقلم : محمد أكسم
يعد”صراع الأجيال”ظاهرة متكررة عبر الأزمان و العصور، لكنه اليوم يكتسب طابعًا مختلفاً وأكثر حدة وسرعة،وذلك بفعل التحولات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة. حيث أن للتقاليد والعادات في المجتمعات العربية وزناً ثقيلاً في تشكيل السلوك الجمعي، يبدو الصراع بين الأجيال أكثر وضوحًا، وأكثر تعقيدًا أيضًا. حيث نجد جيل الآباء يرى في القيم والعادات منظومة متكاملة حافظت على تماسك المجتمع عبر عقود، بل ويرى أيضا أنها جزءً لا يتجزأ من الهوية والثوابت. وفي المقابل، يطمح جيل جديد من الشباب إلى إعادة النظر في ذلك ، بل ويطالبون أحيانًا بتفكيك هذه القيم، باعتبارها لم تعد صالحة لهذا العصر. هناك قضايا مثل طريقة اللباس,شكل العلاقات الاجتماعية، دور المرأة، علاقة الفرد بالأسرة والدين، وحتى النظرة إلى العمل والتعليم، كلها أصبحت نقاط اشتباك متكررة بين الأجيال، تترجم غالبًا إلى سوء تفاهم أو شعور بالقطيعة والفرق بين الجيلين هو أن جيل الكبار نشأ في ظل منظومة أكثر استقرارًا وانغلاقًا، تعلم فيها احترام الأعراف. أما الجيل الجديد، فقد نشأ في عالم أكثر انفتاحاً، مليء بالاختيارات والمعلومات وحرية الاختيار. من هنا تنشأ الفجوة بين الجيلين, جيل يؤمن بأن التقاليد تحمي وتحافظ، وآخر يرى أنها تقيد بل وتعوق الانفتاح على ثقافات العالم، وسرعة التحول في أنماط الحياة، كلها سرعت هذا التحول وزادت من جرأة الشباب في طرح أسئلتهم، وحتى في رفض ما يرونه تقاليد بالية. يمكن النظر إلى هذا الصراع بوصفه فرصة لا تهديدًا, فالمجتمعات التي تنجح في الإصغاء إلى صوت شبابها، وتسمح بتجديد قيمها دون المساس بجوهر هويتها، هي مجتمعات أكثر قدرة على التطور السريع. إن التقاليد التي لا تتجدد تنتفى وتختفى وهناك بعض التقاليد تحمل قيماً عظيمة لكنها لم تعد مناسبة اليوم,ينبغى إعادة تقديمها بلغة جديدة تواكب العصر. فعلى سبيل المثال تقاليد الزواج وتكاليفه من أثاث مبالغ فيه وحفلات باهظة تحول اليوم إلى مراسم بسيطة تركز على المعنى لا المظاهر فقط, المجالس القديمة والاجتماعات استبدلت اليوم بمنصات رقمية تواكب التقنية الحديثة. وعن القيم التي لا تستخدم ولم تمارس في الواقع تتحول إلى شعارات فقط, بمعنى أن القول بدون فعل يجعل القيم بلا قيمة,ومن أمثلة ذلك الصدق لم يعد فقط في الكلام، بل في الممارسات الرقمية كعدم نشر معلومات مضللة ,وأيضا الكرم لم يعد مقتصراً على إطعام الضيف والاحتفاء به، بل يشمل التطوع ودعم المبادرات الإنسانية. أما المجتمعات التي توازن بين الجذور والتغيير، فهي وحدها التي تمتلك القدرة على النجاة من تيارات العصر، دون أن تفقد هويتها أو تراثها ليصبح مجتمع يحافظ على جذوره وهويته، وهو في الوقت نفسه منفتح ومحافظ على التغيير والتطور.
اترك تعليقاً