رئيس التحرير

هيثم زينهم رئيس التحرير يكتب : ( الهداف ) … مصطبة الكذب… حين تتحول الأكاذيب إلى عروش والجمهور إلى قطيع مصفق

الخميس 21-08-2025 18:35

بقلم : هيثــم زينــهـم رئيــس التــحــريــر

على مصطبة الكذب تُدفن الحقيقة حيّة

الكذب على المصاطب… مسرحية بلا نهاية يضحك فيها الممثلون ويصفق فيها الضحايا

هناك مصاطب لا تُبنى بالحجارة، بل تُشيَّد بالوهم، وتُرصّع بالكلمات المزيفة، وتُضاء بمصابيح الخداع. يجلس عليها الكاذب كأنه فيلسوف عظيم، يوزّع حِكمًا من ورق، ويُلقي خطبًا مصنوعة من هواء، بينما الجموع تنصت كأنها أمام نبيٍّ مرسل أو قدّيسٍ مُلهَم.

على تلك المصاطب، الكذب ليس عيبًا بل مهارة، والخيال ليس فنًّا بل حرفة يومية. يتبارى القوم: أيُّهم يملك الحكاية الأكثر غرابة، وأيُّهم يستطيع أن يلبس الوهم ثوب الحقيقة، حتى تصير الأكذوبة أشد رسوخًا من الحجر، وأقوى من الدليل.

والمفارقة المضحكة المبكية أن الناس تعرف الكذب وتدركه، ومع ذلك تبتسم له وتصفق. لماذا؟ لأن الحقيقة متعبة، قاسية، لا تمنحهم سوى الوجع والكدح، بينما الكذبة تأتيهم كالسكر في قهوة مرة، تخدّر لحظةً، وتُنسيهم أن الغد أشدُّ قسوة من اليوم.

مصطبة الكذب ليست حكرًا على قرية نائية، بل هي صورة مصغرة للعالم كله. فالمصاطب تتكاثر: في السياسة والإعلام، في المنابر والشاشات، في صفحات التواصل ومؤتمرات المسؤولين. الفارق الوحيد أن الكذاب هنا لا يرتدي جلابية بالية، بل يخرج بربطة عنق، أو يلوّح بشهادة، أو يتحدث من وراء ميكروفون لامع.

المشكلة ليست في الكذب ذاته، بل في ذلك التصفيق الذي يحيله إلى حقيقة مقدسة. فالأكذوبة حين تجد من يصفق لها، تكبر وتتمدّد حتى تصير قانونًا، وحينها يتحول المصفقون من مجرد مستمعين إلى أسرى داخل سجن لا يرون جدرانه.

إن مصطبة الكذب مرآة لضعف البشر أمام الخيال المزيّف، وخوفهم من مواجهة الواقع العاري. لكن العاقل وحده هو من يدرك اللعبة: يجلس ليستمع، يبتسم بسخرية، ثم يقوم ليمضي دون أن يصفق. لأن لحظة التصفيق هي اللحظة التي يتحول فيها المستمع إلى ممثل جديد في المسرحية، والمسرحية كما نعلم… لا نهاية لها.

jour_haz@yahoo.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *