الكاتب الاردنى إبراهيم أبو عواد يكتب : البنية النفسية في أدب الرعب
السبت 23-08-2025 12:16

بقلم : إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن
أدَبُ الرُّعْبِ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ يَهْدِفُ بواسطة مَجموعة مِنَ الأحداثِ المُتشابِكةِ والمَواضيعِ
المُثيرةِ وَالمُفَاجآتِ الصَّادمةِ، إلى إثارةِ مَشاعرِ الخَوْفِ والرَّهْبَةِ لَدَى القارئِ مِنْ خِلال قِصَص
عَن الأشباحِ ، أوْ مَصَّاصِي الدِّمَاءِ ، أو الكائناتِ الغريبة ، أو العناصر الخارقة للطبيعة ، أو
القُوى الشِّريرة ، أو الأحداث العنيفة المُرَوِّعَة ، أو الشَّخصيات الشَّاذَّة .
وأدبُ الرُّعْبِ مُرتبطٌ بالنَّوَاحي النَّفْسِيَّةِ في الإنسانِ ، لذلك يَعْتمد على التَّشويقِ والغُموضِ
، لجعلِ القارئِ في حالةِ قَلَقٍ دائمٍ ، وَتَرَقُّبٍ لِمَا سَيَحْدُث . كما أنَّه يَستكشف الجوانبَ المُظْلِمَةَ
في النَّفْسِ البشرية ، مِثْل : الشَّر ، والفَسَاد ، والخَوْف مِنَ المَجهول، ويَتلاعب بِمَشاعرِ
القارئِ وأحاسيسِه ، حَيْثُ تَتِمُّ إثارتُه عاطفيًّا بتوظيفِ الأحداثِ المُشَوِّقَةِ والمُرْعِبَةِ في القِصَّة ،
ويُركِّز عَلى إثارةِ الخَوْفِ وَبَثِّ الرُّعْبِ عَنْ طَريقِ استكشافِ العُقَدِ والمُشكلاتِ النَّفْسِيَّةِ
للشَّخصياتِ، مِثْل: الجُنون، والقَلَق ، والاكتئاب ، والوَسْوَاس ، كما يُركِّز عَلى الخَوْفِ مِنَ
الكائناتِ غَيْرِ البشرية والأمورِ الغامضةِ التي تتَجاوز فَهْمَ الإنسانِ ضِمْن أجواء مُظْلِمَة وأماكن
مَهْجُورة .
إنَّ البُنية النَّفْسِيَّة في أدَبِ الرُّعْبِ تَقُومُ عَلى حقيقة مُفَادها أنَّ شُعورَ الخَوْفِ مِنَ المَجهولِ
رَاسِخٌ في الإنسانِ فِطْرِيًّا ، وَمُتَجَذِّرٌ فِيه غَريزيًّا ، وثابتٌ في عَقْلِه وتَفْكيرِه وأعماقِه . وهَذا
الخَوْفُ قَدْ يَدْفعه إلى التَّعَلُّقِ بالأوهامِ والخَيَالاتِ وَالحِرْصِ عَلى مَعرفةِ الغَيْبِ ، وَالغَريقُ يَتَعَلَّقُ
بِقَشَّةٍ .
وَأدَبُ الرُّعْبِ فَقَدَ هُوِيَّتَه معَ مُرورِ الزَّمَنِ ، وَتَحَوَّلَ مِنْ إشاعةِ أجواءِ الخَوْفِ والتَّوَتُّرِ خِلال
الأحداث التي يُواجهها أبطالُ أيِّ عَمَلٍ ، إلى الاعتمادِ عَلى المَشاهدِ العنيفة ، مِنْ قَتْلٍ ،
واختطافٍ ، وَتعذيبٍ ، وإراقةِ دِمَاء ، واغتصابٍ بطريقة وَحْشِيَّة ، وَتَنْكِيلٍ بالجُثَثِ ، وغَيْر ذلك
.
وَقَدْ عَزَّزَ هَذا التَّحَوُّلَ الناشرون الطامحون إلى تحقيق أعلى المَبيعات ، وَجَنْيِ الأموالِ
الطائلة ، وَصُنَّاعُ السِّينما المُتَخَصِّصُون في أفلامِ الرُّعْبِ، والذينَ يَسْتَغِلُّونَ الإضاءةَ الغريبةَ ،
والمُؤثِّراتِ الصَّوتية غَيْر الطبيعية والمُبَالَغ فِيها ، لإثارةِ الخَوْفِ والفَزَعِ عِندَ المُشَاهِدِين .
والسِّينما تَجْعَلُ المُستحيلَ يَحْدُثُ أمامَ عُيونِنا ، وَهِيَ قادرةٌ على تَحويلِ الكَلامِ والحِوَارِ إلى
خَيَالاتٍ بَصَرِيَّة ، وَتَقْدِيمِها بشكلٍ مُثير للاهتمام ، لِتَحقيقِ المُتعةِ أوْ تَكريسِ الخَوْفِ .
يُعْتَبَر الكاتبُ الأمريكيُّ ستيفن كينغ ( وُلِدَ 1947 ) أعظم رِوائي في مجالِ أدَبِ الرُّعْبِ في
التاريخِ عَلى الإطلاقِ . يُلَقَّبُ بـِ " مَلِك الرُّعْب " ، وَهُوَ الكاتبُ الذي مَلَأَ السِّينما رُعْبًا . وَقَدْ
وُصِفَ بأنَّه " الأيقونة الأدبية الحَيَّة الأُولَى للرُّعْبِ ، والكاتب الذي كانَ لَهُ دَوْرٌ في تَشكيلِ
كَوابيسِنا " .
اشْتُهِرَ برواياتِه التي تَتَمَيَّزُ بإثارةِ الرُّعْبِ، والتَّشويقِ العميق.وأصبحَ عَلَامَةً فارقةً في هَذا
النَّوْعِ الأدبيِّ ، حَيْثُ جَذَبَ مَلايين القُرَّاء إلى عَوالمِه المُخِيفة .
أوَّل قصة قصيرة باعها كينغ لإحدى المجلات ، كانت " الأرض الزُّجاجية " في عام
1967 ، لكنَّ أول رواية كتبها كانت " كاري "، والتي تَتَحَدَّث عَنْ فَتاة غريبة الأطوار تَمتلك
قُدرةً عَلى تَحريك الأجسام عَنْ بُعْد . وكان يكتب هذه الرواية كوسيلة لقتل وقت الفراغ لَدَيْه ،
ولكنْ حِينَ عَرَضَها على إحدى دُور النشر في ربيع 1973 قامت الدار بنشرها على الفَوْر ،
وأمام آراء النُّقَّاد المُنبهرة بهذه الرواية ، عَرَضَ عَلَيْه مُديرُ تحرير الدار تَرْكَ مِهنته في
الجامعة كَمُدَرِّس ، والتَّفَرُّغَ للكِتابة تمامًا .
بَدَأت الصُّعُوباتُ في مُطاردة كينغ ، إذ اضْطُرَّ للانتقال بعائلته إلى جنوب " مين " ( وِلاية
تَقَع في أقصى شَمال مَنطقة نيوإنغلاند في شَمال شرق الولايات المُتَّحدة ) ، بَعْدَ أنْ أُصِيبتْ
والدتُه بالسَّرَطَان ، وظَلَّ يَرْاعاها طِيلة النهار، بَيْنَما كان يَقْضِي الليلَ في غُرفة صغيرة في
جراج المَنزل، يكتب روايته الثانية التي أسْمَاها " العودة الثانية" قَبْل أنْ يُقَرِّر تغييرَ اسْمِها
إلى" حشد سالم " ، وفيها يَحْكي عَنْ قَرية مِنْ مَصَّاصي الدِّمَاءِ يَقُوم بزيارتها رَجُلٌ وَطِفْلُه
الوحيد . وحين انتهت الرِّوايةُ تُوُفِّيَتْ والدتُه ، فعاد كينغ ينتقل بعائلته ، وعادَ لِتَفَرُّغِه التام
للكتابة ، لِينتهيَ في أوائل 1975 مِنْ رِوَايَتَي " الصُّمود " ، و " مَنطقة المَوْت " . أخذتْ
رِواياتُ كينغ تتلاحق بِغَزارة غَيْرِ مَسبوقة ، وَهِيَ رِوايات مِنَ القَطْعِ الكبير ، ولا يَقِلُّ عَدَدُ
صَفَحَاتِ الرِّواية عن 700 صفحة .
كتب كينغ رواية " البريق " ( 1980 ) والتي تَتَحَدَّث عن كاتب مجنون يَقْضِي الشِّتَاءَ مَعَ
عائلته في فندق مهجور ، ثُمَّ رِواية " كريستين " التي تتحدث عن سيارة مَسْكُونة ، ثُمَّ بَدَأ في
جَمْعِ قِصَصِه القصيرة لِيُنشرها في مجموعات قصصية مِنْ أشهرها " وردية الليل " ، ثُمَّ "
أربع دقائق بعد مُنتصَف الليل " . وَتَجَاوَزَتْ مَبيعاتُ كُتُبِه حَوْلَ العَالَمِ أكثرَ مِنْ 350 مَلْيُون
نُسْخَة ، وَتُرْجِمَتْ إلى جَمِيعِ اللغاتِ الحَيَّةِ .
وَقِصَصُ كينغ تَتَضَمَّن شخصيات غَيْر مُتَمَيِّزة، كعائلاتِ الطَّبَقَةِ الوُسطى ، أوْ أطفال ، أوْ
في الكثير مِنَ الأحيان مُؤلِّفين . شَخصياتُ قِصَصِهِ مُنخرِطة في الحَياة اليومية ، لَكِنَّ مُؤثِّرات
وَتَدَخُّلات فَوْقَ طبيعية وظُروف غَيْر عاديَّة ، تَقُوم بِتَحويلِ مَسَارِ حَيَاتِهِم ، وَتَشْكِيلِ أحداثِ
القِصَّةِ الدِّرَامِيَّة .
اترك تعليقاً