رئيس التحرير

هيثم زينهم رئيس التحرير يكتب : ( الهداف ) المسرحية … أبطال من ورق على مسرح الحقيقة تُكتب البطولة بالحبر السري والبطل يختاره السيناريو لا التصفيق

الأحد 12-10-2025 13:45

بقلم : هيثــم زينــهـم رئيــس التــحــريــر 

 الديكور يتغير والوجوه نفسها في الأدوار القديمة الجمهور يصفق قبل أن يبدأ العرض

الرقابة تختار البطل والسيناريو يختار النهاية .. من الكواليس إلى الضوء… رحلة التمثيل على الحقيقة

في موسمٍ جديد من مواسم الفن الوطني تُرفع الستارة عن مسرحية يعرف الجميع قصتها قبل أن تُكتب،ويعرف الجمهور نهايتها قبل أن تبدأ.العنوان هذه المرة ليس مهمًا،فكل العناوين تتشابه في بلدٍ صار العرض أهم من المضمون،والممثلون أهم من الفكرة،والتصفيق أهم من الحقيقة.في الكواليس، لجنة الرقابة تعقد اجتماعها الحاسم.يتناقشون في هدوءٍ أنيق حول من يستحق البطولة،ومن يُترك في الظل ليُصفّق،ومن يُمنح جملة قصيرة ليبدو مشاركًا في الحدث.لا أحد يسأل من كتب النص،فالنصّ مكتوب من مسبقا،مجرّد تحديثات طفيفة في الأسماء،وحذف لبعض المشاهد التي قد تُثير الالتباس السياسي .

يبدأ الإعلان :
ترقبوا العرض الكبير، بطولة النجم المحبوب الذي اختارته الرقابة قبل أن يختاره الجمهور.الجميع يتأهب.البعض يهيّئ اللافتات، والبعض يجهّز الهتاف،
والبعض الآخر يتدرّب على مشهد البكاء في نهاية العرض ليبدو صادقًا.في هذه المسرحية، لا يوجد شرير.الجميع أبطال… طالما لا يقتربون من دائرة الضوء الحقيقية.الكلّ متفق على أن البطولة مكسب،حتى لو لم تكن بطولة. فالكومبارس هنا لا يشعر بالإهانة،بل بالفخر أنه مُنح فرصة الوقوف في الصورة.أما الجمهور،فقد حصل على “دعوات مجانية” توزّع في المقاهي والمقاهي السياسية على السواء،دعوات مزينة بابتساماتٍ رسمية ووعدٍ بحياةٍ أفضل بعد نهاية المسرحية.ولا أحد يسأل: “كم مرة شاهدنا هذه المسرحية من قبل؟”فالذاكرة هنا تُكتب بالطباشير، وتمحوها أول مطرة تصريحات.خارج المسرح، يقف بائع الفشار يتأمل الزحام، يضحك ويقول لصديقه:“الناس داخلة تضحك، ومش عارفة إنهم جزء من العرض!”

بائع المثلجات يردّ بابتسامة باردة:“بس الفرق إن إحنا بنبيع حاجة بتتباع… وهما بيشتروا الوهم ببلاش.”

الديكور ضخم، والأضواء براقة،لكن النص واحد منذ عشرين عامًا:“البطل سيبقى هو البطل، والرقابة لا تخطئ.”الجمهور يتغيّر، الوجوه تتبدّل،لكن النهاية محفوظة في درجٍ مغلق عليه ختم النسر.

في هذه المسرحية، البائع على باب المسرح يكسب أكثر من الممثل، والجمهور يُمنح التذاكر مجانًا، بشرط أن يضحك في الوقت المناسب، ويصفّق في اللحظة المطلوبة. والمفارقة أن الجميع سعداء، رغم أن أحدًا لا يفهم القصة أصلًا، ولا يدري من كتبها أو لمن تُعرض.

إنها مسرحية بلا حبكة، بلا نهاية، بلا بطل حقيقي. الكل أبطال، والكل كومبارس في آنٍ واحد. المسرحية تُعرض كل خمس سنوات، لكن التذاكر لا تُباع إلا في جهة واحدة، والرقابة هي من تختار البطل قبل أن تُكتب الفاتحة الأولى للنص.

والجميع يخرج بعد العرض راضيًا… البائع، والممثل، والمشاهد، وحتى المخرج المجهول، لأن الكل ربح شيئًا… إلا الحقيقة، فهي الوحيدة التي لم يُسمح لها بدخول المسرح من البداية.

اللافت أن الجمهور لم يعد يميز بين الدراما والواقع. بائع الفشار صار يعلق على الأحداث السياسية، وبائع المثلجات يوزع ابتساماته بالمجان على من يدخل المسرح دون تذكرة. حتى الحراس عند الأبواب يتصرفون كأنهم النقاد، يمنحونك إذن الدخول أو يردونك باسم «الرقابة الفنية».

أما البطل، فمطمئن تمامًا… يعرف أن دوره لن يُسحب، وأن الستارة لن تُغلق قبل أن يُنهي جملته الأخيرة. يبتسم بثقة لا تشبه إلا ثقة من قرأ نهاية النص قبل بدايته.

وفي كل  خمس مواسم، تُكتب المسرحية من جديد، لكنها تُعرض كما هي… لأن البطل لا يُختار بالتصفيق، بل بقرار من وراء الستار، حيث يجلس المؤلف الحقيقي، الذي لا يراه أحد، لكنه يُدير كل شيء.وفي ختام المسرحية،يقف المذيع المسرحي ليقول بوجهٍ منتصر:“شكراً للجمهور العظيم الذي صدّق العرض،وشكراً للبطل الذي لم يمثل،وشكراً للرقابة التي جعلت المستحيل قابلاً للتصفيق.”ثم تُطفأ الأنوار،ويبقى الصمتُ يصفق وحده،يصفق للعبث… وللقدَر الذي يُعاد بثه في مواسم متكررة تحت اسم جديد… ومعنى قديم.

jour_hsz@yahoo.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *