الدكتورة منى حنا عياد تكتب : المدرسة والامان
الجمعة 21-11-2025 08:05
بقلم /دكتورة منى حنا عياد
المدرسة.. أين دور الأمان النفسي؟ كانت المدرسة قديماً مصنعاً للمعرفة والتربية معاً، واليوم يُطلب منها ما هو أعمق: أن تكون خط الدفاع الأول عن نفسية التلاميذ، الحاجة إلى وجود متخصصين نفسيين داخل المدارس لم تعد رفاهية، بل ضرورة لحماية هؤلاء الصغار من الانكسار الداخلي. جلسة دعم، مساحة للفضفضة، أو برنامج توعية بسيط قد ينقذ طفلاً من رحلة طويلة مع الخوف أو العزلة أو كره الذات، لكن ما زالت منظومة التأهيل النفسي في مدارسنا خجولة، تتحرك ببطء لا يناسب سرعة انتشار ظاهرة التنمر، أتحدث عن تجارب حية من لحم ودم وليس حديثا يفترى. الأسر الافتراضية.. غياب الرقابة وحضور “الإيموجي” في المقابل، تراجع دور الأسرة التقليدية، تلك التي كانت تلتقط إشارات الخلل الأولى في سلوك أبنائها، حلّت محلها أسرة افتراضية تنشغل باللايك والشير أكثر من انشغالها بنبرة ابنها وهو يتحدث عن يومه. أصبح التواصل مختزلاً في جروب عائلي مليء بالملصقات، بينما تراجع الحوار الحقيقي الذي يكشف الألم أو يفضح السلوك الخاطئ، هكذا يخرج من بيننا طفل متنمر لا لأن قسوته فطرية، بل لأن أحداً لم يردّ عليه حين أخطأ، ولم يشرح له معنى التعاطف، ولم يعلمه كيف تكون القوة رحيمة. قنابل تمشي على قدمين وبسبب اهتزاز بعض الأسر، صار بعض الأبناء مثل قنابل موقوتة، لا تنفجر صراخاً فقط، بل تنفجر إيذاءً للآخرين، طفل يحمل غضباً لم يفهم مصدره، وإهمالاً تراكم كغبار فوق طفولته، لا أحد يمسك بيده ليصحح أو يدقق أو يكسر الدائرة قبل أن تكبر، وهكذا يدفع زملاؤه الثمن في موقف سخرية أو نبرة احتقار، تمتد آثارها لسنوات. مطلوب: عودة البيت وتفعيل المدرسة لا يواجه التنمر قرار إداري واحد، بل يحتاج لثنائية صادقة: مدرسة تؤهل وتدعم، وأسرة تسمع وتراقب وتربّي، حين يتكاتف الطرفان يتراجع التنمر من ظاهرة إلى حادث عابر، ومن خطر إلى سلوك يمكن كبحه، فالأطفال ليسوا مجرد طلاب، بل قلوب صغيرة تحتاج إلى من يحرسها قبل أن تتعلم كيف تحرس نفسها. بهذا التكامل وحده يمكن أن نعيد للمدرسة دورها، وللبيت هيبته، وللطفل حقه في أن يكبر دون أن تترك كلمة قاسية ندبة على روحه.


اترك تعليقاً