عبدالباسط خليل يكتب : العزلة في زمن التواصل، عندما تصبح الشاشات جدرانًا”
السبت 14-06-2025 17:23

بقلم: عبدالباسط خليل
في زمنٍ صارت فيه الكرة الأرضية قريةً صغيرةً بفضل التكنولوجيا، كان من المفترض أن يزدهر التواصل الإنساني، وأن تندثر العزلة من حياتنا. لكن المفارقة الصادمة أن هذه الثورة الرقمية العارمة لم تخلق مجتمعًا أكثر قربًا، بل رسّخت نوعًا جديدًا من الوحدة المقنّعة خلف الشاشات، وهم القرب ومسافة القلب.
حيث نتبادل الرسائل النصية، ونُعجب بصور بعضنا على وسائل التواصل الإجتماعي ونشارك اللحظات، ولكن كم منا يتحدث وجهًا لوجه يوميًا مع أحبائه؟ كم منا يشعر فعلًا أنه “مرئي” ومسموع وسط هذا الزخم الرقمي.
الهواتف الذكية، التي وُلدت لتقرب البعيد، صارت في كثير من الأحيان تُبعد القريب. في المطاعم، الحدائق، المنازل… ترى الجلوس مجتمعين بأجسادهم، متباعدين بأرواحهم، منشغلين كلٌ في عالمه الصغير داخل شاشة سوداء لامعة.
جيل الألفية: الأكثر تواصلًا… والأكثر عزلة؟
حيث تشير الدراسات الحديثة إلى أن جيل الألفية والجيل اللاحق له يعانيان من نسب عالية من القلق والاكتئاب ومقارنةً بالأجيال السابقة. المفارقة أن هذه الأجيال هي الأكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا. فأصبحنا أمام علاقة طردية بين الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية وتدهور الصحة النفسية.
حيث ان الإجابات ليست بسيطة. فالتكنولوجيا بريئة من أجيالنا فمن أُحسن استخدامها صَلُح ، ولكنها تصبح مدمّرة حين تحل محل التفاعل الإنساني الحقيقي. فـ”اللايك” لا يُغني عن حضن صديق، و”الإيموجي” لا يُعبر عن نظرة صادقة في العين، و”الستوري” لا يُعوّض دفء الجلوس مع العائلة.
وكذالك العزلة الاجتماعية لا تعني فقط الجلوس بمفردك، بل الشعور بعدم الانتماء، أو أن وجودك غير مهم في حياة الآخرين. وهذا الشعور قد يتسلل إلى الفرد رغم مئات المتابعين وآلاف الرسائل. العزلة تتغذى على السطحية، وعلى الاستعاضة بالمظاهر الرقمية عن العلاقات العميقة.
فكيف نستعيد إنسانيتنا، لحظة صمت رقمية: خصص وقتًا يوميًا للابتعاد عن الهاتف. فقط 30 دقيقة دون إشعارات قد تُعيد توازنك النفسي،
اسعَ إلى اللقاءات الواقعية. فحديث على فنجان قهوة أفضل من ألف محادثة نصية.
قدّم وقتك: لا شيء يعبّر عن الحب والدعم أكثر من تقديم وقتك الحقيقي للآخرين.
وفي النهايه الفت النظر الي ان التكنولوجيا وسيلة لا بديل،
ولسنا ضد التكنولوجيا، بل ضد أن تصبح بديلًا للعلاقات الحقيقية. فدعونا نعيد تعريف التواصل، ونتذكر أن الإنسان خُلق ليتفاعل، ويتعاطف، ويضحك، ويبكي… لا فقط ليكتب ويشارك.
في زمنٍ نتحدث فيه مع العالم كلّه، لنتأكد أننا لم نصمت في وجه أقرب الناس إلينا.