رئيس التحرير

إعمار غزة.. إستراتيجية صمود الهوية السياسية ورمزية “المخيم”

السبت 20-12-2025 15:37

بقلم: د. أحلام محمد أبو السعود سفيرة الإعلام العربي
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
بينما تنشغل الدوائر الهندسية والسياسية بوضع مخططات إعادة إعمار قطاع غزة، تبرز قضية هي الأهم والأخطر في تاريخ الصراع: كيف نُعمر البيوت دون أن نهدم القضية؟ إن المخيم الفلسطيني في غزة ليس مجرد تجمع سكاني طارئ، بل هو “الأرشيف الحي” للنكبة، والوثيقة السياسية التي تجسد حق العودة. لذا، فإن الإعمار يجب أن يكون عملية “إحياء للهوية” لا مجرد “تحديث للعمران”.

إننا نضع أمام المسؤولين، والمخططين، والمنظمات الدولية، رؤية إستراتيجية شاملة تضمن بقاء المخيم شاهداً حياً على النكبة، حتى وهو في أبهى حُلله العمرانية، وذلك من خلال المسارات التالية:

أولاً: التحصين القانوني والسياسي (المخيم ككيان دولي)
إن الخطوة الأولى لحماية المخيم تبدأ من الحفاظ على وضعه القانوني المستقل، وذلك عبر:

ثبات الولاية القانونية: التأكيد على أن إعادة الإعمار لا تعني بأي حال من الأحوال دمج المخيمات إدارياً ضمن البلديات المحلية بشكل ينهي طابعها كـ “مخيمات لاجئين”. يجب أن يظل التنسيق مع “الأونروا” بوصفها الشاهد الدولي على قضية اللجوء.

وثيقة الانتفاع المرتبطة بالعودة: يجب أن تنص عقود السكن الجديدة على أنها “حق انتفاع للاجئ” مرتبطة برقمه الوطني في سجلات الوكالة، لضمان ألا يؤدي تحسين ظروف المعيشة إلى إسقاط الصفة السياسية للاجئ.

ثانياً: التخطيط العمراني “الناطق” بالهوية
يجب أن تتحول هندسة المخيم من هندسة عشوائية إلى هندسة “رامزة” (Symbolic Urbanism):

أحياء بأسماء الجذور: إعادة تقسيم المربعات السكنية في المخيم المعاد إعماره لتسمى بأسماء القرى والمدن الأصلية (يافا، المجدل، بئر السبع، واللد)، مع وضع لوحات تعريفية في مدخل كل حي تحكي تاريخ القرية والمسافة الكيلومترية التي تفصلنا عنها.

أزقة الذاكرة: تخصيص “ممرات ثقافية” داخل المخيم تحاكي في تصميمها ضيق الأزقة القديمة، لتكون معرضاً مفتوحاً يوثق كيف عاش اللاجئون عقود الصمود الأول، ولتظل مزاراً تعليمياً للأجيال.

ثالثاً: تحويل الجدران إلى سجلات تاريخية
بدلاً من الجدران الصماء، نقترح أن يكون الإعمار “بصرياً” بامتياز:

نصب مفتاح العودة: وضع نُصب تذكارية ضخمة لمفتاح العودة في الميادين المركزية لكل مخيم، لتكون البوصلة البصرية التي لا تخطئها العين.

مراكز “أرشيف اللاجئ”: إنشاء مركز توثيق رقمي في قلب كل مخيم، يضم وثائق الملكية (الكواشين) والصور القديمة لبيوت الأجداد قبل عام 1948، ليكون مرجعاً حقوقياً للسكان.

رابعاً: الدور الإعلامي والشعبي
بصفتنا صوتاً للإعلام العربي، نؤكد أن المعركة الإعلامية لا تقل أهمية عن البناء:

رفض “التوطين المبطن”: الرقابة الإعلامية على مصادر التمويل لضمان عدم فرض شروط تهدف لتذويب المخيم في المجتمع المحلي لإنهاء قضية اللاجئين.

تعزيز الوعي الشعبي: ترسيخ فكرة أن “المخيم الجميل والمبني بكرامة” هو محطة انتظار قوية، وليس وطناً بديلاً.

خاتمة: إن إعمار مخيمات غزة هو اختبار للضمير الوطني والدولي. نحن لا نريد مجرد أسمنت وحديد، بل نريد بناءً يحمل في جيناته رائحة الأرض المحتلة وحلم العودة. فليكن الإعمار صرخة صمود، لا إعلان استسلام للواقع.

د. أحلام أبو السعود
غزة /فلسطين /🇵🇸

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *